العدد 5504
الخميس 09 نوفمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
نحو توطين قيم المواطنة
الخميس 09 نوفمبر 2023

أفضت هيمنة النموذج الليبرالي الرأسمالي في العالم إلى بروز أشكال متشابهة من المواطنة، حيث صارت ترسم توجهاتها ضمن قيم العقلنة الفردية المرتبطة باقتصاد السوق الذي يعطي الأولويّة للكسب المادي، ويقودنا هذا إلى التساؤل: هل تحوّل المواطن بما يمثله من ارتباط عاطفي بالوطن، ومن ارتباط عقلاني بالضمير الجمعي، إلى مجرد فرد منعزل تحدّد المؤسّسات اتجاهاته واختياراته ومصالحه الفرديّة؟ إلى أيّ مدى يمكن التوصل إلى رؤية توفر المعادلة الملائمة للتكيّف مع اقتصاد السوق من جهة، وإتاحة فرص للحراك الاجتماعي والتضامن المجتمعي من جهة أخرى؟ 
ويمكننا في هذا السياق أن نعود إلى التجربة لما تتضمنه من جوانب التربية على التضامن، ومن السعي إلى توطين قيم المواطنة من خلال التربية الأسرية والتربية المدرسية والتربية المجتمعية، لتعزيز الرباط الاجتماعي المواطني، مع الأخذ في الاعتبار مقتضيات التحولات العالمية وما يتطلبه الاقتصاد المعولم من المرونة والمبادرة والمنافسة ومقوماتها الفردية. فالتحديات والتهديدات التي تواجهها العديد من البلدان اليوم، تقتضي “تمجيد الوطنية” وإعطاءها الأولويّة في سلّم القيم، لغايات تربوية متّصلة بالهويّة والانتماء الوطني الذي يجب أن يعلوَ على الانتماءات الضيقة الأخرى، لتكون الوطنية القيمة الأساسية التي تتربّى عليها الأجيال الجديدة لمواجهة التحديات المتصاعدة. وهذه مهمة موكلة إلى التربية والثقافة والإعلام والشباب والرياضة والطفولة... ومؤسّسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى المجتمع السياسي، وذلك من أجل الانخراط في مشروع التنشئة الوطنية الاجتماعيّة الهادفة إلى مزيد النهوض بالوطن والرفع من كفاءة المواطن المادية والفكرية والمعنوية لجعله قادرا على استيعاب المتغيّرات المتلاحقة، والعمل على غرس قيم التسامح والتضامن واحترام الآخر، وتعزيز مشاعر الانتماء للوطن والولاء له، وهذا يستوجب جهدا كبيرا ومخلصا، لتثبيت قيم المواطنة والسلوك المدني لدى الأفراد، من خلال التوجهات والبرامج والفعاليات، حتى تتكامل التربية مع التعليم مع الثقافة مع الإعلام والشباب والرياضة، لإعداد الشاب كمواطن متوازن الأبعاد الروحية والاجتماعية والوطنية، والمعرفية والسلوكية والجمالية لتعليمه الأسس والقيم السليمة لتوظيف جهوده وإبداعاته في مختلف القضايا الحياتية التي ترتبط بمجتمعه وانتمائه إلى وطنه وبيئته وتراثه وهويته في النهاية.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية