العدد 5503
الأربعاء 08 نوفمبر 2023
banner
في السفر.. ألف فائدة
الأربعاء 08 نوفمبر 2023

شاءت الصدف وبدون ترتيب مسبق أن أسافر مع بعض الأصدقاء الأعزاء في إجازة قصيرة إلى مملكة تايلند، هذه المملكة الرائعة التي تتميز بطيبة قلب شعبها وخلقه الرفيع وجمال طبيعتها ولذة أكلاتها وبساطتها والكثير من الجوانب الجميلة التي يعجز اللسان عن وصفها في هذا المقال القصير، وقد كانت زيارتي بعد انقطاع طويل. أثناء رحلتي إلى بانكوك على متن ناقلتنا الوطنية كانت المقاعد محجوزة بالكامل، جميعهم كانوا من الجنسيات الأوروبية، ومن حسن حظي أن يجلس بجانبي راكب بحريني تجاوز السبعين من عمره، ولم أتوقع أن يطول الحديث الشيق مع هذا الرجل العجوز لأكثر من 4 ساعات متواصلة!
للأمانة لم أتوقع منه كل تلك الصفات الجميلة والرائعة من دماثة خلق ورقي وثقافة وقيم وذوق وغيرها من الصفات الحميدة والرائعة، هذا الرجل ورغم عمله المتواضع في إحدى وزارات الدولة، وقد تقاعد منذ أكثر من 10 سنوات، لمست منه أنه يملك ثقافة وخبرة عالية في الحياة العامة، ويملك كنزا من الثقافة والخبرات المتراكمة في إدارة الحياة والقناعة والروح الإيجابية التي يفقدها الكثير. عرفت عن هذا الرجل أنه كثير الأسفار رغم كبر سنه، إلا أنه لا يأبى ولا يتردد في السفر مع الأصدقاء وأفراد عائلته. أقولها بكل صراحة وخلال هذه الرحلة التي استغرقت أكثر من 7 ساعات، كنت أتمنى أن تطول إلى أكثر من 15 ساعة، والسبب بسيط جدًا، ألا وهو أنني تعلمت الكثير منه بسبب فارق العمر، وكما يقول المثل "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة".
اقتنعت جيداً بأن الحياة العملية والخبرات المتراكمة وظروف الحياة الصعبة، بالإضافة إلى الخلق والتواضع والقناعة تعادل أعلى الشهادات الجامعية ومن أرقى الجامعات العالمية.
لقد تعلمت شيئا في غاية الأهمية وأعتبره درسًا ليس لي فحسب، بل للجميع، فقد علمت أن هذا العجوز أصيب بمرض السرطان قبل أكثر من 7 سنوات! هذا الرجل قرر بكل همة وقوة وصبر محاربة هذا المرض الخبيث بالعلاج في ألمانيا، فكان يتكلم بكل أريحية وإيجابية وقوة وروح معنوية عالية عن مراحل علاجه ويكرر شكره لله عز وجل وزوجته المصونة وابنه اللذين لم يترددا بالوقوف بجانبه في أحلك وأصعب الظروف. هذا الرجل الخلوق الرائع وبروحه المعنوية العالية وخفة دمه ضرب أروع الأمثلة في كيفية مواجهة الحياة الصعبة وغير المتوقعة ماديًا واجتماعيًا وصحيًا وغيرها من المواقف الصعبة التي يتعرض لها أي شخص في هذا الكوكب. 
تعلمت من هذا الرجل العجوز الكثير من الحكم والعبر والدروس التي أخذتها مرجعًا لي في مناحي الحياة.
اقتنعت جيداً بأن الثقافة العالية والاطلاع والفكر لا علاقة لها بالشهادات العلمية والجامعية، فالكثير من الأشخاص يحملون أعلى الشهادات العلمية ولكنهم لا يملكون أبسط قواعد الفكر والثقافة والوعي.
تجربتي الثرية الأخرى في هذه الرحلة كانت مع أصدقاء السفر، فبالرغم من أنني أسافر مع بعضهم للمرة الأولى وكنت متحفظًا نوعا ما، إلا أنني وجدت نفسي بينهم وكأنني أعرفهم منذ زمن طويل، ولا شك أن البحرينيين بشكل عام طيبوا القلب، وهذا مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن بحريني عرف عنه ذلك منذ قرون.
فعندما تسافر مع مجموعة من الأصدقاء أو الزملاء فإنك حتمًا ستلازمهم طوال اليوم، وخلال الرحلة ستتعرض للكثير من المواقف التي لم تكن في الحسبان، وستتخذ الكثير من القرارات التي قد تناسب البعض ولا تناسب الآخرين، لذلك قد تحدث اختلافات في وجهات النظر، منها ما سيمر مرور الكرام، ومنها دون ذلك. وستكتشف الكثير من العادات والأخلاقيات التي كانت خافية، ويقال إن السفر سمي سفراً لأنه يسفر (يكشف) عن الشخصية الحقيقية التي حاول الشخص مراراً تغليفها وإخفاءها عن الآخرين.
لا أنكر أنني تعلمت الكثير من الأصدقاء، فالسفر والعشرة الطيبة تكسبك الكثير من الوعي والثقافة والعلم والمعرفة واكتساب صداقات جديدة تكون إضافة رائعة لقائمة الأصدقاء المخلصين، وكما يقول المثل "لا تعرف صديقك إلا في السفر".
ولا شك بأن قائمة الإيجابيات والمواقف الجميلة لا أستطيع سردها هنا بسبب محدودية المساحة المخصصة لي، لكن النصيحة الوحيدة التي أود أن أذكرها هي تشجيع الناس على السفر والترحال، ففي السفر كما يقولون سبع فوائد، وبدوري أشدد أن في السفر ألف فائدة. ما رأيكم؟.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .