العدد 5494
الإثنين 30 أكتوبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
أزمة قراءة: غربة المكتوب والإغراق في الهويمات الذاتية
الإثنين 30 أكتوبر 2023

عندما نطالع بعض الأرقام المتصلة بحركة نشر وتوزيع الكتاب في العالم نندهش، ليس من الحجم الهائل لتداول الكتاب في الدول المتقدمة فحسب، بل ومن ضآلة الأرقام العربية في نفس المجال.

المدهش مثلا أن إسبانيا وحدها تنشر سنويا 45 ألف عنوان لكتب في المجالات المختلفة، في حين لا يزيد هذا الرقم في الوطن العربي قاطبة عن 4 آلاف عنوان بحسب تقارير التنمية البشرية العربية.

والمسألة هنا لا تقتصر على النشر وحده بل تشمل التوزيع أيضا، فالقاصة الإنجليزية بار بارا كارتلاند – كانت توزع من روايتها الواحدة أكثر من ستمئة ألف نسخة، في حين أن أفضل رواية عربية جديدة توزع في مصر مثلا في حدود 3 آلاف نسخة في المتوسط، فما بالك ببقية البلدان العربية الأخرى.


المشكلة، لا ترتبط، بطفرة معلوماتية أو قفزة تكنولوجية أدت إلى تحول في آليات الطباعة والنشر وآليات التلقي، فها هو الغرب الأكثر تطورًا في هذه المجالات يبقى الأكثر قدرة على إنتاج الكتاب وقراءته. المشكلة عندنا مركبة: فهنالك أمية أبجدية حقيقية وواسعة، وهنالك فقر وظروف معيشية لا تجعل الكتاب ضمن قائمة الأولويات. (ما لا يقل عن 120 مليون مواطن عربي أمي أي بنسبة 30 % من إجمالي السكان)، وهنالك فقر متزايد وتراجع عن دعم الكتاب طباعةً ونشرًا وتوزيعًا نتيجة الأزمات المالية وانحسار دور الدولة الثقافي والاجتماعي نتيجة إعادة جدولة الأولويات، وهنالك تراجع في دور المدرسة في الاهتمام بالكتاب والمطالعة، وضعف في تدريس اللغات عامة، وقد تكون هناك وجوه أخرى للمسألة يتصل بعضها بالتلقي نفسه أي بالقراءة، ومدى استجابة المطبوع لاحتياجات الناس الفكرية والثقافية والعلمية والفنية وغيرها، فغربة المكتوب وابتعاده عن القيم الجماعية وإغراقه في الذاتية والهامشية والتهويمات السطحية، وضعف الموهبة وضحالة الإبداع، جميعها من أشد أسباب إعراض المتلقين عن التلقي كذلك. ولسنا هنا بحاجة إلى ترديد تلك الأطروحات حول طغيان ثقافة الصورة، وثقافة الاستهلاك وتراجع سلطة المكتوب، وتردي مكانة التلقي الثقافي إجمالا، لأنها باتت معلومة أيضا.


* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .