العدد 5490
الخميس 26 أكتوبر 2023
banner
قد بلغت القلوب الحناجر
الخميس 26 أكتوبر 2023

عذراً يا غزة، لا أملك من نفسي غير الدعاء وأحرف صففتها هنا، حبر يخجل في حضرة الدم، أحرف تقف خجلا أمام أشلاء متناثرة هنا وهناك، وجثث سجدت تحت الأنقاض.

كلمات أكتبها وأنا أعلم أنها لا تساوي صرخة طفل مرتعب أو أم ثكلى تحضن رضيعها الذي لن يتمكن بعد اليوم من الرضاعة من صدرها، وأب جمع أشلاء أبنائه في كيس بلاستيك، وآخر افترش سجادة صلاته ليقيم عليهم صلاته التي ربما ستكون الأخيرة في عمره! فلا أحد في غزة اليوم بعيد عن الموت، طالما جاء اليوم الذي نرى فيه طفلاً يُلقن أخاه الطفل الشهادة.


أأكتب يا غزة؟ وأنا أعلم أنها ليست سوى أحرف، لن تواسيك ولن تصل إليك حتى! سأكتب فلربما تزيل ولو بشكل طفيف إحساسي بالذنب عن عجزي في تقديم ما يمكن تقديمه لك، فحتى الجنين في بطن أمه قدم نفسه فداءً لأرض العروبة، وأنا أقف عاجزة، مسمرة أمام الشاشات لا أملك من نفسي غير المتابعة لما يجري من آخر الأحداث والأخبار، حتى بلغت القلوب الحناجر. مرام الفلسطينية في بلدي، التقيتها صدفة، لم تكن هي الأخرى قادرة على الحديث والكلام، كانت مرتبكة، قلقة، أفكارها مشوشة، وعندما سألتها عن جنسيتها قالت هي من أرضك يا غزة، عذرتها، فكيف تملك القدرة على الكلام والحديث وهي ما بين شهيد وجريح ونازح ومهجر! لا تعلم كم سيحصد الموت من أرواح أهلها وأحبائها، وأصدقائها؟ أحياناً البُعد يكون قاتلاً مع الترقب والخوف والقلق.


ليست هي قضيتك وحدك يا مرام، هي قضيتنا نحن العرب والمسلمون جميعا، فالقدس قبلتنا نحن أيضاً، وكلنا مُساءلون عنها يوم القيامة.

ولا تصدقي من يقول لك إن العرب خذلوك يا غزة، فكل العرب الشرفاء الأحرار معك، لكن لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا. الإحساس بقلة الحيلة موت من نوع آخر، والشعور بالذنب ونحن ننعم بالأكل والشرب والدواء والكهرباء وأنت عنهم محرومة، صدقيني، يقتلنا من الوريد إلى الوريد.

فاستودعتك الله يا غزة.


ياسمينة: القدس عروس عروبتكم (مظفر النواب)
* كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية