العدد 5490
الخميس 26 أكتوبر 2023
banner
أبدعوا ولم يكونوا كدقات الساعة المتعبة
الخميس 26 أكتوبر 2023

يروى عن الشاعر “بابلو نيرودا” عندما سئل عن نفسه كشاعر ملتزم أنه قال: “ليست لي مطامح كبيرة سوى أن أخدم الناس بشعري، شأني في ذلك شأن الخباز بالنسبة إلى الخبز، وشأن النجار بالنسبة إلى المنضدة التي يصنعها”.


الكثير من الأدباء والكتاب عملوا في مهن مختلفة، لكنهم قدموا أنفسهم إلى الإنسانية عن طريق أعمالهم، وأوجدوا لأنفسهم موقعا في خارطة العالم الثقافية والحضارية، اتشحوا بالوجع ومرارة الكد وجسدهم محروث بالتعب، ونهضوا من القاع إلى القمة بكل ما في ذلك من شوق.


محمد الماجد كان قارئ عدادات في الكهرباء، و”ياما استحم بدمع الشوارع”، ومع ذلك كان ملتزما وخدم الناس ومجتمعه بكتاباته، وهناك أصحاب الأسماء الكبرى في حياتنا الثقافية الذين أمسكوا بالريشة أو القلم ليلا، وفي الصباح كان قلبهم ينبض بثقل ويصارعون التيار العنيف من أجل سد رمق أبنائهم، وأعرف أحدهم وقد أفرد له العالم العربي رقعة واسعة لكتاباته، وتفرد في مجاله وبلور رؤية جديدة اعتبرت كقاعدة في ترتيب مفردات هذا الفن الذي يشتغل عليه، ولم يكن في يوم ما كدقات الساعة المتعبة في عمله الرسمي الذي يعيش منه.


إن ممارسة العمل الثقافي الأدبي والفني يجب ألا تكون بديلا عن النزول إلى ميدان العمل العام في الواقع اليومي واتخاذ مواقف لا تنقصها الصلابة والجرأة من كل ما يطرح من قضايا. إن قسوة هذا الواقع يجب أن تكون حافزاً للعمل العام لا مثبطا له، وبمقدار ما يتلاحم هذا العمل العام مع الواقع الجماهيري وتطلعاته تتضح الرؤية ويذوب جليد فردية المثقفين وعزلتهم الفكرية والسيكولوجية، وتسقط أسباب التشاؤم والقلق والتمزق، ويتحول العمل العام إلى ينبوع يمد فكر المثقفين وحياتهم الداخلية بنسخ من القوة ويمنحهم القدرة على مواجهة الواقع مهما كانت شروطه قاسية وظروفه صعبة.


* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية