العدد 5479
الأحد 15 أكتوبر 2023
banner
مآلات خطيرة للفجوة المعرفية في العالم العربي
الأحد 15 أكتوبر 2023


من المعروف أن بعض الدول العربية تأخرت عن مواكبة الطفرات التي شهدتها ثورة المعلومات والبرمجة المعرفية، لتجد نفسها مفصولة بفجوة رقمية واسعة النطاق عن مراكز التقانة والمعرفة الرائدة في العالم، بخلاف الدول التي سخرت قوة الابتكار والاختراع لدفع حاضرها ومستقبلها. غير أن عواقب هذا التلكؤ بعيدة المدى، ولن يقتصر تأثيرها على النمو الاقتصادي فقط، بل أيضًا على جودة ونوعية حياة أمتنا. وأيا كانت الأسباب الجذرية لهذا التفاوت الصارخ، فلا مبرر للانتظار أكثر للتحول الرقمي والتطور المعرفي في العالم العربي لان المعرفة والابتكار تمثلان القوة في المشهد العالمي اليوم. فالافتقار إلى الاستثمار في التعليم والبحث والتطوير ترك فراغا في رأس المال الفكري وأعاق قدرة أمتنا على الإبداع والمنافسة بفعالية على الساحة العالمية.
كما لا يخفى على أحد أن استهلاك العالم العربي غالباً يتجاوز طاقته الإنتاجية، مما يؤدي إلى الاعتماد الاقتصادي على الدول الأخرى. وهذا الاختلال في التوازن يقوض الاستقرار الاقتصادي، وهنا يجب على الدول العربية أن تضع استراتيجيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع التركيز على إنتاج سلعها وخدماتها الأساسية من خلال التقدم التقني والتصنيع.
إنني أرى أن أحد التحديات الأساسية التي تواجه أمتنا هو اعتمادها على استيراد التقانة ومنتجاتها، ومن أجل عكس هذا الاتجاه، يجب على العالم العربي إعطاء الأولوية للبحث والتطوير، والاستثمار في خلق التقنيات ورعاية مراكز الابتكار والمؤسسات البحثية لتعزيز ثقافة الاختراع والاكتشاف، التي لا تخدم احتياجاتنا المباشرة فحسب، بل تساهم أيضًا في التقدم الإنساني العالمي.
وأقول إنه يجب على الدول العربية ألا تكتفي باللحاق بالركب، بل عليها أن تقفز نحو المستقبل. فإن احتضان التقدم التقني والتحول الرقمي ليس ترفا، بل ضرورة. وهذا لا يعني تبني التقنيات الحالية، بل يعني أيضًا تعزيز بيئة تشجع الابتكار بحيث تصبح الدول العربية نقطة مضيئة للإبداع وريادة الأعمال، تزدهر فيها الأفكار، وتولد الحلول التقنية. لكن لأجل هذا الهدف السامي ينبغي إعطاء الأولوية للتعليم وتنمية رأس المال البشري لبناء قوة عاملة ماهرة قادرة على التعامل مع المتطلبات المعقدة للعصر الرقمي، وأيضا ينبغي أن يكون تشجيع التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع في قلب الإصلاحات التعليمية.
لقد بدأت رحلتنا في تنفيذ مشروع التحول الرقمي في العالم العربي، بالمناطق الأكثر احتياجاً، بما في ذلك لبنان وسوريا وليبيا. وللأسف، يبدو أن هناك نقصًا في الفهم فيما يتعلق بخطورة المرحلة الحالية التي نجد أنفسنا فيها. فالتحول الرقمي ليس ترفا أو خيارا؛ بل ثورة شاملة مهيأة لإعادة تشكيل كل جانب من جوانب الوجود الإنساني بطرق غير مسبوقة.
وإدراكاً لحقيقة أن الوحدة قوة، يتعين على الدول العربية أن تعمل على تعزيز التعاون الإقليمي وتشجيع تبادل المعرفة، وتجميع الموارد، والعمل بشكل جماعي على المشاريع التقنية بهدف تسريع رحلتها نحو التحول الرقمي وسد الفجوة المعرفية، فثورة المعلومات موجة مد بلا جزر ولن تنتظر أحدا، ويجب علينا إدراك مدى إلحاح تبني التحول الرقمي، ليس فقط كضرورة اقتصادية، ولكن كوسيلة لتأمين هويتنا المستقبلية على الساحة العالمية ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين والتأكد من أننا نستهلك أقل مما ننتج. ومجددا كل ذلك يتطلب التركيز على عصر المعرفة وفتح أشرعتنا الفكرية، ونهلنا من المخزون الغني لتراثنا، حتى نشكل طريقًا نحو مستقبل تنير فيه الحكمة والابتكار رحلتنا إلى القيادة العالمية مرة أخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .