إني على قناعة تامة بأن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل لا تتمثل في انتظار حدوثه، بل في التأثير فيه بفعالية من خلال المشاركة الاستباقية في صنعه، فالاستبصار الدقيق يتيح لنا تخصيص الموارد بحكمة، وتخفيف الأخطار، وخلق مستقبل أكثر مرونة واستدامة. ولا أعني بالضرورة التنبؤ بالتفاصيل كلها، بل بتوقع التحديات والفرص والاتجاهات المحتملة وببناء إطار استراتيجي يُقيّد عدم اليقين، ويجهزنا للتنقل عبر تعقيدات الغد بثقة وهدف.
فمجرد الانتظار، حتى تتكشف الأمور يتركنا كأفراد وأمم عرضة لظروف لا يمكن السيطرة عليها. وبدلا من ذلك، ينبغي التركيز على المشاركة الفعالة في الوضع الحالي خاصة ما يتصل بثورة المعلومات والبرمجة المعرفية وتقديم مساهمات كبيرة. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا توجيه مستقبل أمتنا نحو المسار الذي يتماشى مع النتائج والطموحات المرجوة.
الفكرة التي أدعو لها على نحو متكرر مفادها أنه يمكن النظر إلى الأزمات على أنها فرص تجسد صفات المرونة والقدرة على التكيف، وبدلاً من الاستسلام للخوف والشك خلال الأوقات الصعبة، فالمفروض هو اعتبار هذه اللحظات بمنزلة فرص خصبة للنمو الشخصي والمجتمعي. فمن خلال إدراك التحديات باعتبارها آفاقًا للابتكار والتعلم والتغيير، يمكن تحويل الصعوبات إلى قوة دافعة إلى الأمام. وهنا أؤكد حقيقة مفادها أن الأزمات غالبا ما تكشف عن مسارات وإمكانيات غير مستغلة وربما كانت تمر دون أن يلاحظها أحد في أوقات الرخاء، واغتنام هذه الفرص يمكن أن يؤدي إلى تقدم واختراقات كبيرة.
ولا أتردد في القول إن المشاركة بحماس في الحاضر والمساهمة بنشاط تمنحنا القدرة على تشكيل المستقبل من خلال الاستفادة من كل ذي قدرة وإبداع ورؤية، وأن علينا الاعتراف بان المستقبل ليس محددًا مسبقًا، ولكنه يتأثر بالخيارات والأفعال التي يتم اتخاذها حاليا لذا أشجع دوما على الانخراط بنشاط في الأحداث الجارية، بما يمكن لنا كأفراد وأمم استخدام فهمنا ومفاهيمنا وعملنا الجاد لتوجيه مسار الأحداث نحو النتيجة المستقبلية المرجوة.
وحتى في حياتي الشخصية والمهنية فإنني أرى أن الأزمات تمثل الفرص وتمثل جوهر المرونة والقدرة على التكيف. أي أنه وبدلاً من الاستسلام للخوف وعدم اليقين في أوقات الشدائد، يظل منظوري لهذه اللحظات باعتبارها أرضاً خصبة للنمو والتحول، وتظل رؤيتي للتحديات باعتبارها فرصا للابتكار والتعلم والتغيير وتسخير قوة الشدائد للدفع إلى الأمام.
ولنتأمل هنا على سبيل المثال ثورة المعلومات وظهور البرمجة التفاعلية (Pro-Active Programming -AI). فمع حدوث التقدم التقني، اعترف الأفراد ذوو البصيرة بإمكانيات حدوث تغيير كبير وإيجابي، وشاركوا بنشاط في إنشاء هذه الاكتشافات وتطبيقها عوضا عن الاعتماد بشكل سلبي على التقنية لتحقيق التقدم بشكل طبيعي، بل تولوا أدواراً حاسمة في دفع ثورة المعلومات، من خلال تصور مستقبل يمكن فيه الوصول إلى المعلومات بسهولة وعلى مستوى العالم، واضعين الأساس للعصر الرقمي الحالي الذي نعيش فيه.
وبالطريقة ذاتها، لعب الخبراء دورًا نشطًا في تطوير البرمجة التفاعلية وتكامله في مختلف القطاعات. وبدلاً من الانتظار السلبي حتى يتطور من تلقاء نفسه، حيث أخذ الباحثون زمام المبادرة لإنشاء خوارزميات وإجراء تجارب واستكشاف التطبيقات المحتملة. وقد مكنتهم هذه المشاركة العملية من الاستفادة بشكل فعال من قدرات الذكاء المعرفي لتحويل مجالات مثل الرعاية الصحية والتمويل والقيادة الذاتية، بل ومن خلال التأثير على المسار الحالي لتطوير البرمجة المعرفية، قاموا أيضًا بتشكيل المستقبل بما يتماشى مع رؤية عالم أكثر انسيابية وترابطًا وأتمتة.
أقول أيضا، إن هذا المفهوم لا يقتصر على التقنية وحدها، فعلى مر التاريخ، أثبتت الحركات الاجتماعية والسياسية أن المشاركة النشطة في اللحظة الحالية يمكن أن تؤثر على اتجاه التنمية المجتمعية ودفع عجلة التقدم وتمهيد الطريق لمستقبل يعطي الأولوية لأمن الإنسانية بمفهومه الشمولي وإحداث تأثير طويل الأمد على العالم الذي ينتظرنا.
خلاصة القول، أنني أكرر الدعوة لاستراتيجية عربية استباقية للمشاركة في تشكيل المستقبل وعدم الانتظار على نحو سلبي حتى يتكشف المصير، بل على الانخراط بنشاط في تشكيله وتحويل التحديات إلى نقطة انطلاق نحو التقدم بل وتحويل الأزمات إلى لحظات محورية من التحول الإيجابي.