في كل مواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تقف المنابر نفسها تقريبًا، الموقف نفسه تقريبًا. المؤيد مؤيد، والمعارض معارض، وكلٌّ متمسك بموقفه من أي اشتعال بين الطرفين.
في مرات قليلة في عمر المواجهات في العالم بأسره يمكننا القول إن الفلسطينيين كلهم، يقاومون الإسرائيليين كلهم، لأنها ليست معركة جيوش، بل معركة مصير ووجود، والطرفان يعلمان ما ينتظرهما في نهاية الحرب، وما المعارك إلا لكيلا ينسى أحدهما ما الذي يعنيه للآخر، وما الذي يعنيه وجوده على تلك الأرض، وما الذي يعني أن تكون إصبعه على الزناد لا تزال... تدافع ظل عبر آلاف السنين مدموغًا على الجباه، بأن القدر يرتب أوراقه من أجل الوصول إلى النهايات المكتوبة في اللوح المحفوظ، ولا رادّ لأمر الله وتدبيره.
في كل أجواء ساخنة لن نعدم من يخرج ليقول: “فلسطين ليست قضيتي الأولى”، لا بأس قد تكون الثانية أو الثالثة، لكن هناك من يسقطها من كل حساباته بقوله: “فلسطين ليست قضيتي”! حسنًا، من حق كل منا أن يختار قضاياه ويرتبها كيف يشاء، ولن يضر أية قضية أن يتنكر لها من شاء التنكر لأن الحق أبلج على الدوام، ولو تناقص - ويا لخسارة المنقلب - عدد متبعيه، ففي الدول الغربية اليوم تيار جارف يرى الحق حقًا ويُرزق الحكمة لاتباعه، على الرغم من الدعايات، والأموال الطائلة التي تجيّر لحرف الحقيقة وطمسها وتزويرها وتزييفها وتمييعها وتسييلها، ففي كل جيل يفاجئنا من يزيل أغشية التفاهة والخَوَر والعجز، ليعرب عن نفسه بشكل ربما أصلب من الذين سبقوه، فالشمس لا يغطيها المنخل، والشعور بالمهانة الإنسانية عند الرضا بالظلم والجور، أمر لا يحتمله صاحب كل قلب سليم، فما هو الحال وهناك من يبرر الظلم والجور، ويزيّن القبيح، ويبتهل لأن تنتهي المعركة بزوال مصدّعي الرؤوس، ومقضي المضاجع.
هذه ليست الحرب، على قسوتها وما ذهب فيها إلى الآن، إنها مجرد معركة، ستحمل الأمهات مجددًا ثمراتهن إلى المقابر، وسيزيد عدد المتألمين، سيزيد مداد الجيش، وتطوى صفحة أخرى من صفحات كتاب الحرب.
كاتب بحريني