مع تتالي الأخبار بإقامة معارض الكتب العربية في أرجاء الوطن العربي، منها ما هو بعيد عنا وما هو قريب، يشعر الكثير من مثقفينا ومحبي التردد على معارض الكتب بشيء غير قليل من المرارة والحسرة على أن تمر السنون وتأتي السنون ولا معرض يقام عندنا. فإذا كان العذر في 2019 جائحة كورونا، فهذا العذر سرى على الجميع، وما إن أتى العام 2021 حتى قيل إننا لم نتعاف بعد من الآثار، ولا نريد أن نضيع جميع المجهودات الجبارة التي جنّبتنا خسارات كبيرة في معرض كتاب، خصوصًا أن المدارس والجامعات حتى ذلك العام كانت تقدم رجلًا وتؤخر أخرى في الحضور الكامل للدراسة... فمعرض يفوت ولا أحد يموت!
لكن ما عذرنا (مملكة البحرين) في 2023، ومعارض الكتب تقام سنويًا في بلاد الدنيا، عربيّيها وأعجميّيها، ونحن نقيم معرضًا كل عامين، ومع ذلك يستمر صيامنا هذا العام لعامين آخرين ولعلّ الله يقيّض لنا من بعد هذا الصيام إفطارًا؟!
لم أتّصل بأحد ولا أحد اتّصل بي ليقول لي إن السبب ماليٌّ بحت، لكن أكاد أجزم بهذا السبب، لأن ما نسمعه ونعايشه في الجهات الحكومية يقول إن برنامج التوازن المالي لا يزال يقوم بدوره الرامي إلى إحداث “التوازن” ما بين الدخل والمصروف، فأي نشاط مكلف، غير منتج، وليست له عوائد مباشرة على شكل أرقام تحت معادلة: بيع – شراء - ربح، فيمكن ترحيله إلى سنوات تالية حتى تأذن الظروف المالية لتتوازن وتعاد بعد ذلك الأنشطة الأخرى بحذر بما لا يرهق الميزانية.
ما أرجو ألا يغيب عن المحدّقين في ضفتي الموازنات - بحثًا عن أية “زيادة مصروفات غير ذات عوائد مباشرة” ليجري شطبها أو التقليل منها - أن إشاعة الجو الثقافي في البلد - ومن ضمنه معرض الكتاب - تعد أحد أعمدة جودة الحياة في المجتمع، فعشرات الآلاف من الناس الذين يؤمّون معارض الكتب، يمكنهم شراء كتبهم إلكترونيًا إن شاءوا، ولكن ما يشيعه معرض الكتاب من أجواء إيجابية بإنعاش أرواح مرتاديه الكثر، والسمعة الطيبة التي تعود على البلاد إثر وضعها على الخريطة العالمية لهذا الفعل الثقافي، لا يمكن شراؤها بالمال الذي قد يجري توفيره.
* كاتب بحريني