العدد 5458
الأحد 24 سبتمبر 2023
banner
تسليط الضوء على قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند
الأحد 24 سبتمبر 2023

جمعت القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين، خلال يومي 9 و10 سبتمبر من هذا العام 2023، الاقتصادات التي تقود العالم، وكان شعارها في مواجهة أعقد التحديات التي تواجه الإنسانية، هو "التعاون الدولي لتحقيق التنمية الـمستدامة". وقد حضر هذه القمة، قادة 19 دولة، وقادة الاتحاد الأوروبي، وممثلون لمنظمات دولية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الصحة العالمية. وناقش المشاركون مواضيع عدة، منها التغير المناخي، والتحول الرقمي، والصحة العالمية، وتخفيف أعباء الديون، والتجارة، والإرهاب.

وقد أسفرت القمة عن تأكيد الالتزام بمكافحة التغير المناخي، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس. وأكّد قادة مجموعة العشرين، الالتزام بوعدهم بالحد من الاحتباس الحراري بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية أعلى من مستوى ما قبل الصناعة، وتخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وصولاً لصافي الإنبعاث الصفري، وذلك بحلول منتصف القرن أو قريباً من ذلك. كما اتفقوا على مضاعفة حجم الطاقة المتجددة، ثلاثة أضعاف، بحلول عام 2030، مع التركيز على دعم الدول النامية، وخاصةً الإفريقية منها.

وهذا ما كرّست جهدي للدعوة إليه على مدار عقود عدة، ثم تابعت بذل تلك الجهود بعد أن كُلفت برئاسة اتحاد التحضّر الـمستدام في نيويورك. فلقد قال العلم كلمته القاطعة، ولمسنا بأنفسنا الآثار الفعلية على البيئة التي تحتضننا. فهذا شأن يقتضي التعامل معه بغاية الجدية، وخاصةً بعد أن حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخراً، من أنّ حقبة الاحتباس الحراري قد ولّت، وأن حقبة غليان الكوكب قد حلّت.

إنني أدعو جميع المعنيين لإعادة النظر في شأن المحاسبة البيئية، فهي ما سيخوّل الشركات والحكومات الإفصاح بكفاءة عن التكاليف والالتزامات الـمترتّبة على التغير المناخي، وتفهّمها تفهماً كاملاً. وقد قدت بنفسي في عام 1999، فريقا من الخبراء قام بإصدار تقرير مفصل كان عنوانه "كيفية إعداد تقارير محاسبية ومالية، عن التكاليف والالتزامات البيئية". فصدر التقرير المذكور عن المجمع الدولي العربي للمحاسبين القانونيين، الذي أسّسته في عام 1984، وكان صدوره بمشورة الأمم المتحدة، وبمشورة هيئة المعايير الدولية للمحاسبة وتقديم التقارير، التي ترأّستها هي الأخرى. فلن يمكننا استيعاب مدى خطورة آثار التغير المناخي على بلداننا ولا إعداد خطة مكتملة لمواجهتها، ما لم نحسب بدقة ما يكبّدنا هذا التغير من تكاليف.

وقد ركزت القمة أيضا على التحول الرقمي وآثاره على المجتمع والاقتصاد. فأقرّ قادة مجموعة العشرين خطة للتعاون الرقمي، تهدف لتحقيق تنمية رقمية محورها الإنسان ودون إقصاء لأحد، ولدعم الابتكار، ولحماية البيانات ومعالجة الفجوة الرقمية. كما أقــــرّوا بأهمية محو الأمية واكتساب المهارات والبنية الأساسية الرقمية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.

ولكم سرّني بعد عملي الدؤوب بالأمم المتحدة رئيساً للائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية، ورئيساً لفرقة عمل الأمم المتحدة المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن أرى مناقشات مجموعة العشرين وقد أولت بالغ الاهتمام لهذا الأمر، وأن أرى ما حصل عليه من انتباه يليق به. وهنا أود الإشارة إلى كتابي الجديد عن الذكاء الصناعي (والذي تجدر تسميته بالبرمجة التفاعلية)، والذي أوردت فيه رؤاي وتصوراتي حول هذا الشأن. فسيستفيد منه المهتمين بمعرفة كيف أمسى الذكاء الصناعي عامل ابتكار وتغيير، وكيف سيحدث ثورة بعالمنا.

تلى ذلك ما تناولته القمة عما كانت تسببه جائحة كوفيد- 19 وأمراض أخرى، من أزمة صحية عالمية، ووعدت بتقوية منظومة الصحة العالمية. كما تناولت مسألة تخفيف أعباء الديون عن الدول متدنية الدخول، والتي تضرّرت بالجائحة وبغيرها من الصدمات.

ولقد أكدت القمة على أهمية التجارة الحرة المنصفة، للنمو العالمي وللتعافي، بعد جميع ما حملته الأعوام الأخيرة من أحداث، وبعد ما تعرضت له سلاسل الإمداد من صدمات. فوعد قادة مجموعة العشرين، بتقديم الدعم لنظام تجاري متعدد الأطراف، وبإصلاح منظمة التجارة العالمية.

وأودّ أن أضيف أنه رغم ما لتعددية الأطراف من أهمية، ولـما لها من منافع عظيمة، فلا يصح للدول النامية أن تعول فقط على النظام التجاري متعدد الأطراف في تحقيقها للتنمية. بل عليها وضع ما يلائمها من استراتيجيات وسياسات، تشمل تنويع الشركاء في مجالات التجارة والاستثمار، وتحقيق التكامل الإقليمي فيما بينها، وزيادة القدرات المحلية، واستغلال أصواتها معاً في المحافل الدولية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .