يتزامن صراع راهن، ذو أبعاد عملاقة، مع مسألة التشكيك بالقوى الغربية التقليدية؛ فمن جهة تقف مجموعة السبع التي تمثل مصالح الشمال العالمي واقتصاداته "المتقدمة" بصورة أساسية، أمام تحالف البريكس وهو تكتل منافس يوفر نموذجًا بديلًا تمثّله دول الجنوب، في الجهة المقابلة.
يدور الجدل عن مجموعة السبع التي تأسست في العام 1975م، بأنها منظمة عفا عليها الزمن، تتكون من أكبر سبعة اقتصادات صناعية في العالم، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا واليابان، والولايات المتحدة هي العضو الأقوى فيها. وقد دأبت المجموعة على عقد قِممٍ سنوية تناقش قضايا خاصة بالنمو والتجارة والأمن وتغير المناخ، بالإضافة إلى قضايا دَولية أخرى؛ مما يمنحها قدرة تأثيرية كبيرة على التجارة العالمية والنظام المالي الدولي.
على الصعيد الآخر تنافسها مجموعة البريكس المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهي منظمة تمثل مصالح الاقتصادات الناشئة التي هُمّشت من قبل الغرب؛ والصين أهم وأقوى أعضاء هذه المجموعة.
لقد أصبحت مجموعة البريكس قوة جيوسياسية لا يستهان بها تخوض محادثات سنوية متعددة الأطراف لمناقشة مجموعة مماثلة من القضايا التي تناقشها مجموعة السبع، جاعلة مصالح أعضائها في المقدمة. زد على ذلك ما أنشأته المجموعة من مؤسسات منافسة لتلك التابعة لمجموعة السبع، مثل: بنك التنمية الجديد، ونظام الدفع، وسلة العملات الاحتياطية الجديدة التي تخدم أعضاءها بشكل أفضل باعتمادها على الريال البرازيلي والروبل الروسي، والروبية الهندية، واليوان الصيني، والراند الجنوب أفريقي. مما يمّكن البريكس من النهوض بتجارة سنوية يبلغ حجمها 162 مليار دولار دون الحاجة إلى الدولار الأميركي. وإن لم يكن هنا كافيا بإثارة القلق لدى الولايات المتحدة؛ فلعل إتاحة انضمام دول أخرى لمجموعة البريكس كفيلة بإثارة المزيد من القلق. فقد أعربت - بالفعل- العديد من الدول عن رغبتها بالانضمام إلى التحالف وهي: المملكة العربية السعودية ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش وإندونيسيا وتركيا وغيرها. ونظرًا لعضويتي السابقة في لجنة منظمة التجارة العالمية المعنيّة بتحديد مستقبل التجارة؛ أرى أن هذا التكتل يوفر فرصًا هائلة للتعاون والتنمية دون الرجوع إلى الولايات المتحدة والاعتماد على الدولار، وذلك سيؤدي إلى إنشاء إطار عمل تنافسي للأعمال التجارية.
هذا وتعد الصين الممول الرئيسي لبنوك البريكس ومبادراتها مما يزيد من نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي دوليًا، لا سيما بين الدول التي تجاهلها الغرب أو فرض عقوبات عليها.
في شهر مارس الماضي، أبرمت البرازيل والصين صفقةً للتخلي عن الدولار واستخدام عملتيهما في التعاملات التجارية، بالإضافة إلى اتجاه روسيا إلى استخدام اليوان الصيني كبديل عن الدولار الأميركي للحصول على احتياطاتها النفطية. كما التقى جميع وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في الدول التابعة لرابطة دول جنوب شرق آسيا في شهر مارس لمناقشة إمكانية التخلي عن الدولار، معتبرين ذلك أولوية قصوى.
ويبدو أن الزخم تجاه هذه القضية آخذ في التزايد، إذ أن العديد من الدول غير راضية عن سيطرة الولايات المتحدة المالية عليها. ومع تزايد ديون الولايات المتحدة إلى 30 تريليون دولار فإن مسألة تخلي الدول الأخرى عن الدولار يمثّل بداية لمعضلة أكبر بكثير.
أظن أن هذه مجرد بداية ستنتهي بحرب شاملة بين القوتين العظيمتين، الصين والولايات المتحدة، للسيطرة على العالم، ولن تنتهي تلك الحروب إلّا بإنشاء نظام عالمي جديد.
أدعو الله أن ينقذ العالم! ولابد أن نلجأ في هذه الظروف إلى الحكمة عوضا عن التعنّت. ولابد لقادة العالم أن يجتمعوا لمناقشة هذه القضية والحفاظ على سوق المال العالمي، وذلك سيصُب في صالح البشرية جمعاء.