في السنوات الأخيرة، راقب العالم عن كثب الديناميكيات المتطورة بين الصين والولايات المتحدة وهما أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين تمثلان تكتلات تجارية رئيسية ذات مصالح سياسية متباينة، وبينما ننظر في الأفق، يلف مستقبل العلاقة كفن من الخطر والتشاؤم. وتهدد التوترات المتصاعدة والخلافات الأيديولوجية العميقة الجذور بإلقاء ظلالها على أي إمكانية للتعاون.
الإشارات الأولية لتقليل الخطاب العدائي قد تكون أعطت بعض الأمل في تحسن العلاقات. كانت القنوات الدبلوماسية مفتوحة، والجانبان أعربا عن رغبتهما في الدخول في حوار حول مختلف القضايا. ومع ذلك، لا ينبغي أن يساء فهم هذا الانخفاض في الخطاب على أنه مؤشر على العلاقات الودية بل إنه يعكس جهدًا محسوبًا بدقة لتجنب المواجهة المفتوحة مع الاستمرار في تعزيز مصالح كل منهما.
وأحدث مؤشر على خطورة الموقف المتصاعد يتمثل بقرار الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم مساعدة عسكرية لتايوان بقيمة 345 مليون دولار، وهي المرة الأولى التي تقدم مباشرة من المخزونات الأميركية، وتعكس تحولا تاريخيا في نهج الولايات المتحدة تجاه تايوان، ولن تقف الصين مكتوفة الأيدي تجاه تعزيز القدرات العسكرية لتايوان.
يضيف هذا الموقف طبقة أخرى من التعقيد إلى العلاقة المتوترة بالفعل، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية غذّت العديد من القضايا الخلافية التوترات المتصاعدة وعلى رأسها قضية تايوان، والمنافسة التكنولوجية الشديدة، والعقوبات الأميركية المفروضة على الشركات الصينية الكبرى في القطاع الرقمي والتجارة والمطالبات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، وتظل هذه الأمور الحساسة والمعقدة عقبات كبيرة في السعي لإيجاد أرضية مشتركة وإدارة العلاقة بين الصين والولايات المتحدة.
وعندما يقول قائل إن زيارات وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، ومبعوث المناخ جون كيري إلى الصين قوبلت بردود إيجابية من بكين نقول نعم هذا صحيح، ردود إيجابية لكنها ليست دافئة.
أما الترحيب الحار من القيادة الصينية بزيارة مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر الأحدث إلى بكين فإنه يعكس رغبة صينية بسياسة خارجية أميركية أكثر تركيزا على المشاركة على غرار زمن الرئيس ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته كيسنجر.
وعلى الرغم من جولات المفاوضات والاجتماعات رفيعة المستوى، كان هناك القليل من التقدم الجوهري أو الإجماع حول القضايا الرئيسية، إذ لا تزال الاختلالات التجارية وسرقة الملكية الفكرية ومخاوف حقوق الإنسان والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي تشكل نقاطًا شائكة رئيسية.
طبعا كل من الولايات المتحدة والصين تستثمران بعمق في الحفاظ على مصالحهما الوطنية وضمان ازدهار التكتلات التجارية الخاصة بهما وبالتالي، غالبًا ما يجدون أنفسهم على خلاف حول القضايا المتعلقة بالوصول إلى الأسواق الدولية ونقل التكنولوجيا وحماية صناعاتهم المحلية.
وبمعنى أدق فإن صعود الصين السريع كقوة اقتصادية تراه الولايات المتحدة تحديا لمكانتها الراسخة وطويلة الأمد كقوة اقتصادية مهيمنة في العالم، وبما أن البلدين يمثلان كتلة تجارية رئيسية، فإن مصالحها الاقتصادية تتعارض وستتعارض حتمًا، سيما مع مبادرة الحزام والطريق الصينية وجهود الولايات المتحدة لتعزيز استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ حيث تسعى كلتا المبادرتين إلى توسيع النفوذ وتأمين موطئ قدم استراتيجي في مناطق مهمة للتجارة والأمن العالميين. ويترتب على ذلك غالبًا أن يقع الشركاء الإقليميون في مرمى النيران بينما يتنقلون في علاقات معقدة مع كل واشنطن وبكين.
كما أن التقدم التكنولوجي فتح آفاقًا جديدة للمنافسة والصراع وأثار مخاوف تتعلق بالأمن القومي بسبب إساءة استخدام التكنولوجيا المحتملة لأغراض التجسس والحرب الإلكترونية حيث أصبح السباق على التفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي وشبكة الجيل الخامس والحوسبة الكمومية التي يمكنها كسر التشفير وفك الرموز التي كان يعتقد سابقا أنها غير قابلة للفك، وهذا سبب إضافي لعدم التفاؤل بمسار العلاقة الثنائية.
في المستقبل المنظور، من المرجح أن تظل العلاقة بين بكين وواشنطن تحت ظلال التوترات والشكوك وسيتطلب التنقل في هذا المشهد المعقد من كلا البلدين تحقيق توازن دقيق بين حماية مصالحهما وإيجاد سبل للانخراط الإيجابي في القضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك.
وفقط من خلال الحوار المستمر والاستعداد للبحث عن أرضية مشتركة يمكن لأقوى دولتين في العالم أن تأمل في تمهيد الطريق نحو علاقات قد تكون أكثر استقرارًا.