غيّر استخدام التكنولوجيا في المجال العسكري شكل الحروب الحديثة، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت جيش الولايات المتحدة الجيش الأكثر تقدمًا على سطح الأرض.
فقد هيمنت التكنولوجيا الدفاعية على الموازنات الوطنية، وتدفقت المليارات على الأبحاث والتطوير؛ لتحقيق أحدث قوى الردع. وحلت التقنيات المتطورة محل حروب الماضي التقليدية، وأصبحت تؤدي العديد من المهام العسكرية، مثل الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية، كما أصبحت بصورة متزايدة جزءًا لا يتجزأ من الآلة العسكرية. فالتكنولوجيا، شأنها شأن أي شيء آخر، يمكن استخدامها للخير أو الشر، للحرب أو السلام، ويختار الإنسان منها ما يراه مناسبًا.
يمكننا أن نرى في الحرب الدائرة في أوكرانيا كيف غيرت التكنولوجيا ميدان المعركة. فأحد السمات اللافتة لهذه الحرب هي أن ميدان المعركة أصبح شفافًا؛ بمعنى أن الحسّاسات والخوارزميات يمكنها تتبع العدو واستهدافه بدقة ومدى غير مسبوقين. كما جعلت القفزات التي تحققت في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وصور الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية هذا ممكنًا. فهذه التكنولوجيات بإمكانها توفير عدد هائل من نقاط البيانات في أي وقت، ثم تحليلها بسرعة وتغذية الأنظمة العسكرية بها في الوقت الآني، بحيث يمكن اتخاذ قرارات أكثر وعيًا. فالقادة العسكريون وكذلك الجنود أصبحوا معززين بالتكنولوجيا.
هذه التكنولوجيات سمحت للجانبين بمراقبة القوات والأصول والبنى التحتية لبعضهما البعض وتوجيه الضربات لها عن بعد، دون المخاطرة بالمواجهة المباشرة أو التصعيد. كما أوجدت نقاط ضعف وتحديات جديدة لكلا الطرفين، فقد اضطرا إلى التعامل مع معلومات زائدة وخداع وتشويش وقرصنة. كما أن شفافية ميدان المعركة تتطلب أساليب جديدة للقتال، تعتمد على الحركة والتفرّق والتمويه والخداع. كما تعني أن السرعة والمفاجأة والمبادرة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالطرف الذي يتصرف أسرع وأذكى من الآخر، ستكون لديه الميزة الحاسمة.
ومع ذلك، فإن التقارير الواردة من الحرب في أوكرانيا تظهر أنه لا تزال هناك حاجة لأعداد كبيرة من الجنود للقيام بعمليات عسكرية، إلى جانب كميات كبيرة من الذخائر والمعدات. صحيح أن التكنولوجيا قد تغير هذا الأمر في نهاية المطاف عبر الروبوتات والأتمتة، ولكن في الوقت الحاضر، على الجيوش أن تستعد لمعدلات استنزاف واستهلاك عالية للموارد. فالحرب قاسية ومكلفة، وهي تحصد الأرواح، وكذلك الموارد، بمعدلات مقلقة. كما أنها تفضح قصور التكنولوجيا، فهي لا يمكنها منع الخطأ البشري أو الفساد أو عدم الكفاءة أو الإرهاق.
إن حدود الحرب الحديثة واسعة وغير واضحة، كما أنها ليست قاصرة على منطقة أو نطاق محددين. إنها متعددة الأبعاد، وتمتد عبر البر والبحر والجو والفضاء، بل والفضاء الإلكتروني. كما أنها أصبحت، وبصورة متزايدة، حربًا على كسب القلوب والعقول، يلعب فيها الإعلام دورا بارزا في التأثير على نفسية العامة. هذا يعني أنها تؤثر على المدنيين، الذين يعانون من الأضرار الجانبية أو النزوح، ومن الحلفاء الذين يقدمون الدعم أو يتدخلون في شؤونهم، ومن الفاعلين الآخرين الذين لديهم مصالح أو حصص في النتائج.
لقد أصبحت التكنولوجيا تستخدم في جميع وظائف المجهود الحربي ومراحله لكسب اليد العليا. وأملي أنا هو أن تستخدم للتعامل مع التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية للحرب، التي يُغفل عنها في معظم الأحيان، وذلك لتحقيق السلام والمساعدة في إعادة بناء الدول المتضررة.