العدد 5437
الأحد 03 سبتمبر 2023
banner
من “أوبنهايمر...” إلى البرمجة التفاعلية المسماة “الذكاء الاصطناعي”
الأحد 03 سبتمبر 2023

بالطريقة ذاتها التي واجه فيها عالم الفيزياء “جي روبرت أوبنهايمر” التفاعل المعقد بين العلم والأخلاق، يقف العالم اليوم عند منعطف حاسم في عالم علوم الحوسبة، مفترق طرق حيث تلتقي الهندسة والأخلاق.


وعند التعمق في فيلم “أوبنهايمر”، الذي يحقق الرقم القياسي الأول في شباك التذاكر، نجد أنفسنا منجذبين إلى قصة تتجاوز الزمن وتجسر الفجوة بين الماضي والحاضر، حيث سيتعين علينا مرة أخرى أن نختار ما إذا كنا سنواصل تطوير تقنية لم نفهم قوتها وإمكاناتها بالكامل بعد.


إن التوازي مذهل وفي الوقت المناسب، لأننا على وشك إطلاق أعجوبة تكنولوجية أخرى اسمها البرمجة التفاعلية، تظل قوتها الهائلة وإمكاناتها غامضة، وذات استخدام مزدوج لديها القدرة على تحقيق نفع كبير للبشرية وفي شتى المجالات، ولكن لديها أيضًا إمكان استخدامها لإحداث ضرر لا يقل عن ضرر القنبلة النووية التي صنعها “أوبنهايمر”، والتي أُلقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وهذا ما دفع أخيرا بمجموعة من عمالقة التكنولوجيا إصدار نداءات للحذر والنقاش قبل متابعة المزيد من التطورات التقنية ودعوة إلى التوقف لمدة 6 أشهر في تطوير أشكال أكثر تقدمًا من البرمجة التفاعلية.


لكن وبما أن وتيرة تقدم البرمجة التفاعلية تستمر في التسارع، تكمن قدرتنا على تسخير إمكاناته الهائلة لتحقيق صالح الإنسانية في فهم كيفية تصميم هذه التكنولوجيا وتوجيهها واستخدامها لخدمة المصالح الفضلى، للتخفيف من المخاطر المحتملة وتوجيه تطوير هذه التقنية نحو مسار يعطي الأولوية للقيم الإنسانية.


ففي الوقت الحالي، أحدثت البرمجة التفاعلية بالفعل تأثيرات كبيرة في مختلف المجالات، وفي المستقبل غير البعيد، يمكننا أن نتوقع أن تقوم البرمجة التفاعلية بتشغيل المركبات ذاتية القيادة، وتحويل النقل وتقليل حوادث الطرق. كما يمكن أن يؤدي اندماج البرمجة الذكية مع الروبوتات إلى إحداث ثورة في صناعات مثل الزراعة والبناء وغيرها، إضافة إلى زيادة القدرات البشرية وتعزيز الإنتاجية. وفي مجال استكشاف الفضاء يمكن للأنظمة المستقلة التي تقودها البرمجة التفاعلية أن تتيح مهام أكثر تعقيدًا وفعالية من حيث التكلفة وكشف ألغاز الكون. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يصبح المساعدون الافتراضيون وروبوتات الدردشة المدعومون بالبرمجة التفاعلية أكثر ذكاء، ويعيدون تشكيل كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا وتقديم الدعم المخصص في جوانب مختلفة من حياتنا.

وسيمتد تأثير البرمجة التفاعلية إلى ما وراء المجالات الفردية وفي مجالات يصعب تعدادها لكثرتها، مع قدرته على مواجهة التحديات العالمية وإنقاذ الأرواح وحماية المجتمعات.


وهنا أضرب مثلًا عن توظيف البرمجة التفاعلية في مجال الرعاية الصحية وكيف أظهر براعته في الكشف المبكر عن الأمراض والطلب الدقيق وتحليل الصور الطبية، ما قد يحدث ثورة في رعاية المرضى وينقذ أرواحًا لا تعد ولا تحصى. وأيضا في مجال التعليم، حيث تمتلك منصات التعلم المخصصة التي تعتمد على البرمجة التفاعلية القدرة على تمكين الطلاب وإطلاق العنان لإمكاناتهم الكاملة وتضييق الفوارق التعليمية.


على الرغم من الإمكانات التحويلية، ما تزال هناك مخاوف بشأن تأثير البرمجة التفاعلية على سوق العمل والبنى الاجتماعية خشية أن تصبح بعض المهام مؤتمتة، وهناك خوف مشروع من الاستغناء عن الوظائف. ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ أن التقدم التكنولوجي غالبًا ما يؤدي إلى فرص عمل جديدة ومن الأهمية بمكان إعداد القوى العاملة للمشهد المتغير من خلال مبادرات تحسين المهارات وإعادة تشكيلها.


بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تصبح البرمجة التفاعلية متعاونًا ذا قيمة، حيث تحرر طاقة البشر من المهام العادية والمتكررة وتسمح لهم بالتركيز على حل المشكلات بطريقتي الإبداع والابتكار.


وفي حين أن البرمجة التفاعلية تحمل وعودًا هائلة، إلا أن مستقبلها متشابك بطبيعته مع الخيارات البشرية سيما تطوير واستخدام البرمجة التفاعلية في المجال العسكري، وعليه فإن تحقيق التوازن الصحيح بين التقدم التكنولوجي والاعتبارات الأخلاقية أمر بالغ الأهمية، وهذا الأمر لا يكون إلا من خلال تعزيز التعاون والحوار القيمي.


وهنا لابد من الإشارة إلى أن “القمة العالمية للبرمجة التفاعلية من أجل الصالح العام”، التي نظمها الاتحاد الدولي للاتصالات أخيرا، تمثل خطوة واحدة في هذا الاتجاه، إضافة إلى التزام 7 شركات تعمل على تطوير البرمجة التفاعلية، خلال اجتماع بالبيت الأبيض مع الرئيس بايدن، بمجموعة من المبادئ العامة، التي تهدف إلى إدارة أخطار البرمجة التفاعلية، كما أن مناقشات مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي بشأن كيفية التقدم التكنولوجي خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح، شريطة أن تقود إلى ضوابط ملزمة لضمان التطوير المسؤول لأنظمة البرمجة التفاعلية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .