من أن الرّازق والرّزّاق من صفات المولى جل في علاه، إلا أن كلمة “مرتزق”، بكسر الزاي - وهو الصحيح – فهو الأمر الذي قرَّ لدينا بشكل سلبي جداً، خاصة في الجانب السياسي من حياتنا. فيقال “جُنْدِيٌّ مُرْتَزِقٌ: جُنْدِيٌّ يَتَّخِذُ مِنَ الْحَرْبِ وَسِيلَةً لِلارْتِزَاقِ”، فهو لا يحارب من أجل مبدأ أو دين أو يذبُّ عن وطنه، ولا ليصون عرضه، ولا يدافع عن ماله، بل هو من يحارب وعينه على غنائم وأسلاب أو أعطيات من أمير الحرب، لذلك ورد في الحديث الشريف: “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه”. أقول قولي هذا لخروج إعلامي عربي قبل أيام يقول – بلا حياء – إنه كان مراسلاً لمحطة تلفزيونية تابعة لإحدى البلدان التي مرت بسنوات من المناكفة والمشاحنة المتبادلة مع دولة عربية أخرى، فكانت المحطة تطلب منه أن يزيد ويزيد في قدحه وذمه للنظام الآخر، وإظهار عيوبه، حتى إذا ما انتهت، قام بتلفيق عيوب ومثالب للطرف الآخر. تلف الأيام لفتها، ويدور الفلك دورته العربية المعتادة جداً، فإذا بالبلدين يتصالحان، وتكثر الزيارات، وتكرر القبلات، وحتى تتم تصفية الأجواء يُطلب من الإعلامي المرتزِق ألا يظهر مجدداً على قناتهم لأنه من زمن الخلاف الذي تم طيّ صفحته للتو.
هذا الإعلامي – الذي كان يتحدث بلسان عشرات غيره من أمثاله على الضفتين – كان عليه قبل أن ينساق في مثل هذا الارتزاق وعينه على “دنيا يصيبها”، بأن قصة اشتباك الدول العربية، ثم تصالحها، ونحر كباش الفداء، من الأمور التي ملّت من التكرار بنفس الطريقة البليدة. وكان عليه – ومن سار على دربه – أن يكون إنساناً إعلامياً، لا مدبجاً ومحرفاً ومفترياً. أتفهم أن الحاجة المادية قد تُلجئ البعض لتنفيذ ما يُطلب منهم حتى لا يفقدوا لقمة عيشهم، ولكن هاهم أولاء خسروا شرف المهنة، وصدقيتهم، ونزاهتهم... وأخيراً لقمة عيشهم حين ارتضوا الانحراف عن الخط السليم للمهنية.
الأنكى من ذلك، فإن تعبيرات جارحة، وسخريات وقحة، وألفاظا نابية قد تستخدم في هذه الصراعات، فيجري فتح السفارات المغلقة لتنظيفها، ولكن من سيفتح قلوب الشعوب ليزيل ما بها من سخام المرحلة ووساخاتها؟!.
* كاتب بحريني