العدد 5441
الخميس 07 سبتمبر 2023
banner
التفاخر العربي الأجوف
الخميس 07 سبتمبر 2023

تشير كثرة الإحالات المتكررة إلى الإعلام الاجتماعي، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو “السوشال ميديا”، إلى عظم تأثير هذا “الكائن” الجديد الذي مكّن كل فرد – إن أراد – أن يطرح رأيه على الملأ، والملأ هنا قد يمتد ما بين العشرات أو عشرات الملايين ربما، بحسب “سخونة” هذا الرأي، وموضوع السخونة هذا أيضاً له وقفات أخرى.


يؤرَّخ للإعلام الاجتماعي بأنه ظهر قبل 19 عاماً، بالتحديد منذ انطلاق منصة فيسبوك، أي منذ العام 2004، مع ظهور الجيل الثاني من شبكات الإنترنت 2.0، وإن كانت البداية – كأغلب البدايات – خاصة وداخلية وبين عدد محدود من البشر، فإنها ما لبثت أن أصبح مواطنو الإعلام الاجتماعي أكبر من جملة من الدول الكبرى على مستوى العالم. في هذا الخضم، يمكننا ملاحظة أنواع من المفاخرة العربية -العربية الجوفاء، والغريب أنها داخلية فقط، تحقيقاً للمثل الشعبي “أبوي ما يقدر إلا على أمّي”، وغالباً ما تأتي المفاخرة بين “مركز” الأمة العربية و”الأطراف”، وتحديداً، الطرف الشرقي من هذه الأمة، وبالتخصيص: دول الخليج العربية.


لن أتحدث عن الفاعل والمنفعل، إذ إن الاثنين على سطر واحد من “الحماقة” ذاتها، فواحدة من أحدث تلك الملاسنات التي وصلتني كانت تعليقاً على صورة في حاضرة عربية، علق عليها صاحبها “دفعة 1940 من خريجي وخريجات كلية الطب، في جامعة (...)، أين كان عربان النفط والبعير؟”، ليردّ عليه آخر “كان وقتها (عربان النفط والبعير) يبنون وطناً أصبح اليوم مصدر رزق ومعيشة لأبناء دفعة طلاب كلية الطب 1940، وملاذهم بعد الله... يحق لي أن أفتخر”، ولا يُعدم هذا القول من قول فوقه: “لولا أننا علمناكم، لكنتم لا تزالون تشربون بول النوُّق”، فيأتيه من يردّ عليه “وهل جئتم لتعليمنا متطوعين؟ بل أجراء، أخذتم أجركم وأسستم بيوتاً وتجارة، وكثير منكم لم يعودوا إلى ديارهم، بل تمسكوا بهذه الأرض التي...” ويجرّ الحبل على هذا التنافخ، كلٌّ بما ليس له فضل فيه.


تظهر هذه التصرفات – وإن قيل تجمّلاً إنها فردية، وهي ليست كذلك – تورّماً وحساسية عالية بين أطراف الوطن العربي التي أصبحت لديها “كلاشيهات” جاهزة تجاه العربي الآخر، تنتظر فرجة صغيرة لتعبّر عن نفسها، وتدلق جميع ما فيها من قيح، لتستنهض الشأن ذاته في المقابل لترديد العبارات والحجج ذاتها وإن بأساليب مختلفة. هذه “الكراهيات المنفلتة” تظهر خللاً جذرياً تربوياً في تعريف العربي للعربي، ومعاني التكامل في الوطن الواحد، وأن الأيام دول، وأن لا يد عليا ولا أخرى سفلى في الوطن العربي... إن كان هناك من لا يزال يؤمن بوجود وطن عربي.


* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .