تهدف الأنظمة والحكومات (إلا ما ندر) إلى الوصول إلى حالة الرفاهية لمواطنيها، عبر ضخ الأموال في البنى التحتية، والمشاريع التي يمكنها أن توظف الأجيال الطالعة التي تضخها الجامعات الوطنية والخارجية، والتي تبحث عن عمل، ومن ثمّ سكن لتستقل عن أهلها، استجابة لسنن الحياة المعاصرة.
لكن ما يعرقل الوصول إلى الرفاهية عدّة عوامل، من بين أهمّها: زيادة عدد السكان، وهي زيادة هائلة منذ منتصف القرن الماضي قدّرت بثلاثة أضعاف، وأن البشر يزدادون 79 مليون نسمة كل عام، وإذ تعدّى عدد سكان العالم المليارات الثمانية العام الماضي (2022)، فإن تعداد سكان الكرة الأرضية مقبل على 11 مليار نسمة في العام 2050، وما هو ببعيد عنا في حساب التخطيط الاستراتيجي.
صحيح أننا في مملكة البحرين لسنا من الدول ذات الثقل السكاني، بل يعتبر عدد السكان متواضعا قياسا بأكثر الدول، لكنه كبير نسبة إلى مساحة الدولة ومواردها، وهذا يكفي لإشعال السباقات على أنواعها ومساراتها المتعددة، التي قد تبدأ بنزول الأطفال من أرحام أمهاتهم، أي سباق الصحّة وجودتها، وصولاً إلى التعليم ومستواه خصوصاً مع التحديات الجديدة التي تعيد تعريف الأمية كل بضع سنين، مروراً إلى الوظائف وفرص العمل التي تضيق وتقلّ، وتحتاج إلى سباق من نوع خاص يتمّ فيه ربح الثقة في العنصر المواطن، وقدراته، وتعليمه، وتمهّنه، وتنافسيته العالية مع الآلاف من الراغبين في نيل فرصته إن هو تهاون فيها وتخاذل عن نيلها، فالقاعدة تقول: خذ الفرص بقوّة.
والشباب من الجنسين يمتلكون سيارات، وهذا بعكس الكثير من دول العالم التي لا ينال فيها السيارة إلا من (هو) قادر على شرائها، ولكن الآباء يشترون السيارات لأبنائهم لهشاشة منظومة النقل العام بوسائله المحدودة لعدد من العقود، وإذا ما تحسّنت هذه الخدمة تكون قاعدة شراء سيارة للشاب/ة بمجرد بلوغه الثامنة عشرة من المكتسبات والمسلّمات، وعلى الدولة أن تجد وتجدد شبكات طرق بشكل متواصل، ومواقف سيارات في سباق بين عدد السيارات وأطوال الشوارع وضخ الأموال لتوسعتها، وما عليك إلا إجراء جولة بصرية لترى أنه لم تعد لدينا أرصفة في المناطق السكنية، قديمها وجديدها، فكلها صارت مواقف سيارات مفتوحة. ونأتي بعد ذلك إلى الصداع المقعد المقيم: قطعة أرض لبناء بيت!
كل هذه السباقات ستبقى مفتوحة وخاسرة، ما لم تتخذ من الإجراءات والتدابير المدروسة والتي يجري التشاور فيها بشكل موسع مع المجتمع، لإبطاء هذا السباق على الأقل بإجراءات مستقاة من تجارب دول نجحت في تضييق الفجوة بين الطالب والمطلوب.
كاتب بحريني