سبقني الزميل والأخ أسامة الماجد في زاويته “سوالف” يوم الأحد الماضي عندما تطرق إلى ورشة تدريب قدمها الممثل القدير الراحل نور الشريف، وهي موجودة على اليوتيوب لمن أراد، فقد استمتعت بمتابعة هذه الورشة قبل نحو عام أو أكثر نظراً لتمكن الفنان وخبرته، لكن ما لفت نظري حينها أمر آخر، كتبته في مقال، لكنني لم أختمه لانشغالات ألمّت بي.
ما لفتني هو استعراض الفنان الشريف عددا من أهم الروايات العالمية التي تحولت إلى أفلام ومسرحيات، وأشار إلى واحدة من هذه الروايات وهي “الجريمة والعقاب” وقال: “من لم يقرأ (الجريمة والعقاب) لم يقرأ رواية أبداً”، فأثار بذلك فضول الحاضرين، فسألوا عن اسم الكاتب فقال نور الشريف: “دوستويفسكي”.
جاء صوت من بعيد: “ماذا؟”. قال: “دوستويفسكي”. أصوات وهمهمات كمن لم يستوعب، فقطّعها لهم: “دوس... توي... فسكي”، واصلت الأصوات في الاختلاط لأنها لم تصل إلى الاسم، فاضطر نور الشريف إلى “تفنيط” الاسم: - “دال، واو، سين، ...”.
كان هذا أكثر ما لفتني في هذه الجلسة التدريبية، فحتى من لا يحب قراءة الروايات (في زماننا وزمان من كانوا قبلنا)، كانوا يعرفون عناوين الروايات وكتابها، فهذه من الكلاسيكيات التي لا تفوت أحداً، فكيف بمن يهوى التمثيل وهو لا يعلم أن هذه الرواية تحولت إلى فيلمين في السينما العربية... كان الناس يعرفون أن “تاجر البندقية” لشكسبير، ولو لم يقرأ المسرحية، يعرف الشخص الاعتيادي أن السمفونية التاسعة لبيتهوفين تعدّ من أشهر ما ألف الرجل، وإن لم تكن له أذن موسيقية، وربما لو سمعها صدفة لما تعرّف إليها.
يجادل هذا الجيل بأن هذه المعلومات “الصمّاء” هي نتاج الأجيال السابقة، بينما الأجيال الحالية تجد ثقافتها في عمق معرفتها بتكنولوجيا الاتصالات، والقدرة على التعامل مع الواقع الرقمي الهائل، وتطويع الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وغيرها، وهي معرفة “عملية” تساعدهم على النجاة بأنفسهم في هذا الواقع الذي لا ينتظر أن يقرأ أحدهم الرواية المكونة من 980 صفحة، بينما العلوم تواصل الانقلاب في الخارج، والتكنولوجيا تتغير، وما هي إلا فترة بسيطة حتى يصبح الفرد خارج تغطية هذا الزمن، ويغدو عاجزاً عن مجاراة الواقع!.
* كاتب بحريني