العدد 5413
الخميس 10 أغسطس 2023
banner
من سوّى... سُوّي له
الخميس 10 أغسطس 2023

إذ كنت أقود سيارتي مساءً ومعي أسرتي، وإذا بصوت أحد الإطارات وقد فقد ضغط الهواء، فتوقفت على جانب الطريق، فككت الصواميل محاولاً تحريك الإطار من مكانه بلا جدوى، وإذا بشخص يترجل من سيارته، يلتقط قطعة خشب على الأرض، ضارباً طرف الإطار ضربات قوية حتى تحرك وبدّلته بالإطار الاحتياط. شكرت الرجل، فقال بنبرة عميقة ومن دون أن يلتفت: “من سوّى... سُوّي له”.
إنها الترجمة الشعبية لـ “كما تدين تدان”، وهي في مقامي ذاك مع الرجل وإطار السيارة، تعني وجهين: بأنك عملت خيراً ذات يوم وها هو يعود إليك. و/أو أنا أعمل الخير الآن لأنه سيعود إليّ ذات يوم.
وهذا الأمر ينطبق على كل مناحي حياتنا، سواء اليومي منها أو العملي، في تعاملاتنا مع من يعملون لنا ولدينا، أو من نعمل لهم ولديهم، ولكن أكثر من ذلك سرح بي الخيال إلى الأوطان ذات الصراعات الداخلية، الموهومة بأن فريقاً إن فاز فإنه سيمحو الفريق الآخر عن شأفة أبيه، وبالتالي على الفريق المتفوق أن يضمن تحطيم الطرف الآخر تحطيماً لا تقوم له بعدها قائمة، حتى لا يتمكن من أن “يسوّي” غداً عندما تدور الدوائر الطبيعية في سنن الكون، في الفريق الآخر ما “سُوّي له”، وهذه هي الميكانيزمات التي على أساسها تمتد الحروب الأهلية وتستمر، تخبو وتندلع، لأن التاريخ دائماً يبقى في القصص الشعبية، وفي الحكايات التي تتناقلها الأجيال. غالباً المنتصر ينقل التباهي، بينما الخاسر يروي الحسرات والخسارات والألم، فيورث رغبة ردّ الصاع مضاعفاً متى ما أتيحت الفرصة، وغالباً تتاح، فالزمن دولاب، إن جاء دورانه اليوم وأحد المكونات المجتمعية في أيّ من الأوطان قد أصبح في الذروة، فإن هذا الأمر لا يستمر أبد الدهر.
الأمر لا يتعلق باللحظة الراهنة، لكنه مرهون أيضاً بالآتي من الأوقات، إذا فكّر المرء بعياله وأحفاده على أمل أن يعيشوا في كنف العدالة، وينالوا حقوقهم كاملة، من دون تهميش أو إقصاء أو ظلم من أي نوع كان، فلابد من أن يقدم اليوم لغده، أو “يسوّي” حتى “يسوّى” له، ولمن هم بعده.

*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية