العدد 5441
الخميس 07 سبتمبر 2023
banner
النيادي والفضاء.. بناءُ فخرٍ وطنيٍ إماراتي
الخميس 07 سبتمبر 2023

بعد أن قضى أكثر من 4400 ساعة في الفضاء، عاد رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى كوكب الأرض، وسط حفاوة بالغة بإنجازه المهمة العلمية التي تعد الأطول لرائد فضاء عربي.

رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ونائبه رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وكبار القيادات احتفت بعودة النيادي الذي حظي بإشادات عدة، وتصدرت أخباره وسائل التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار وعناوين الصحف.


هذا الاهتمام الإماراتي ليس مرده مجرد الفرح بتحقيق النيادي الأهداف التي ذهب من أجلها إلى الفضاء، إنما أيضاً الرغبة في صناعة نماذج محلية تمثلُ قدواتٍ للجيل الجديد من الإماراتيين، تبث فيهم الحماسة نحو اقتحام مجالات غير اعتيادية، قد يراها كثيرون صعبة، إنما الوصول إليها ليس مستحيلا، بل أمرٌ ممكن إذا تسلح الإنسان بالعلم والتدريب والعمل المتواصل والإصرار، ولقي حاضنة مناسبة توفر له الدعم المادي والمعنوي، وترفده بالخبرات، وتصقل مهاراته وتنميها. صناعة القدوة الحسنة والمنتجة والمتحضرة، حجرُ زاوية مهم في بناء “الهوية الوطنية”، لأنه يعطي بعداً يتصل بأن النماذج الناجحة لا يستلزم الأمر استيرادها من الخارج، أو البحث عنها في قصص النجوم أو شاشات السينما؛ بل إن المواطن يستطيع أن يكون واحداً من هذه الشخصيات المتميزة مهنياً وعلمياً، ويتجاوز تأثيره الإيجابي حدود الوطن، ليكون مصدر إلهامٍ لملايين الشباب العربي.

هذه القدوات الوطنية تقود لبناء شعور جماعي بالفخر والحماسة، وهو فخر تمتزج فيه مشاعر الفرح والطموح، وأيضاً الإحساس بالانتماء للدولة وكيانها، ما يجعل العلاقة قائمة على الترابط والتبادل في العطاء، فـ “الدولة” ككيانٍ جامعٍ توفر للمواطنين البيئة العلمية والمهنية التي تدفعهم إلى الابتكار والتطور، وهم في المقابل يساهمون في رفدِ المؤسسات بالكوادر المؤهلة والتي تساهم في التنمية والانخراط في المستقبل القوي والمتطور.


الاستثمار الإماراتي في رائد الفضاء سلطان النيادي، ليس استثماراً فردياً، بل يتعداه لأن يكون مسعى لدفع جيلٍ بأكمله نحو مستويات أكبر من الطموح الذي لا حدود له! بينما كان العالم يعاني من وباء كوفيد 19، أطلقت الإمارات “مسبار الأمل” بالعام 2020، وفي فبراير 2021 دخل المسبار مدار كوكب المريخ، لتكون الإمارات أول دولة عربية تصل المريخ؛ مانحة بذلك الأمل لبشرية كانت منشغلة بمحاولة التخفف من أعباء وباء أنهكها. عبر سلطان النيادي، وقبله “مسبار الأمل”، تبنى سياسات تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والعلمية والبحثية والبيئية؛ إلا أنها أيضاً سياسات تدفع بطموح الإنسان لمستويات تجعله لا يرضى بالركونِ إلى الأرض أو الاستسلام للصعاب.


* كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .