يتوالى الحديث عن أزمات الغذاء واحتمالات الموت جوعا لملايين البشر، خصوصا في البلدان الفقيرة، وطلت مع هذه الأزمات تلك النظريات المخيفة، منها استحضار نظرية مالتوس ومشتقاتها التي ملخصها أن “عدد السكان يزيد بمتوالية هندسية بينما يزيد الإنتاج بمتوالية حسابية، بما يعني أن هناك بشرًا زائدون على مائدة الطبيعة” وليس أمامنا من حل في هذا الحال سوى ضبط النمو السكاني، خصوصا في الدول الفقيرة التي تحولت إلى عبء على البشرية، وفقا لهذه النظرية، حيث حذر مالتوس من أن عدم التحكم في هذا التزايد سيؤدي إلى كوارث اقتصادية واجتماعية، ما يستدعي فرض قيود على الزواج وإنجاب الأطفال وتأخير سن الزواج وضرورة إحجام الدول الغنية عن تقديم المساعدات للفقراء، لأن المجاعات والأوبئة الفتاكة “مفيدة طالما أنها تؤدي إلى تقليل النمو السكاني”. ولو كان مالتوس موجودا اليوم لكان من المشجعين للمثلية طالما أنها تؤدي إلى الحد من الإنجاب.
والحقيقة أنه لولا ظلم القوى الاستعمارية والاستغلال الممنهج للبلدان الفقيرة واستنزاف ثرواتها، لما جاع أحد على ظهر هذا الكوكب، ولكانت المجاعات اختفت. ومع ذلك لابد من الإقرار أيضا بأن مشكلة زيادة السكان وندرة الغذاء قضية معقدة تتأثر بعوامل اقتصادية واجتماعية وبيئية وفكرية، تعزى إلى تدهور التربة والتصحر وتغير المناخ وتلوث البيئة والجفاف وتقلص الإنتاجية الزراعية، إضافة إلى النمو السكاني السريع، والذي يضع ضغوطا كبيرة على نظم الإنتاج الغذائي لتلبية الاحتياجات المتزايدة. ولا شك أن ندرة الغذاء ونقص الموارد الغذائية غالبا ما يؤديان إلى نشوب النزاعات والحروب. والهجرات العشوائية، وانتشار الأفكار المتطرفة والعنف. والحقيقة أن مواجهة هذه المعضلة تتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد لزيادة الإنتاجية الزراعية، وتحسين الأساليب والتقنيات الزراعية لزيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل الهدر الغذائي وتعزيز التنمية المستدامة، وحماية التنوع البيولوجي، والتحول إلى الزراعة المستدامة، وتعزيز التعاون والشراكات الدولية لضمان الأمن الغذائي، بما يسهم في تحسين الوضع الغذائي والبيئي وحل مشكلات المياه والجفاف، وبما يؤدي إلى تراجع الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة لجميع البشر.
كاتب وإعلامي بحريني