العدد 5392
الخميس 20 يوليو 2023
banner
عبثية الجدل التاريخي - المذهبي!
الخميس 20 يوليو 2023

دارت نقاشات متنوعة بين مجموعة من المثقفين والمهتمين بالشأنين السياسي والاجتماعي، في أحد تطبيقات “التواصل الاجتماعي”، حول مسائل عقدية – تاريخية، تتعلق بالمرحلة التي أعقبت وفاة النبي محمد بن عبدالله، وما نتج تالياً من تحولات عدة، انعكست على واقع المجتمع المسلم حديث النشأة في مكة والمدينة، والأمصار التي حكمها المسلمون في القرون اللاحقة!
هذه الحوارات التي كنتُ أراقبها بشيء من الضجرِ، دون الدخول في تفاصيلها، أخذت طابعاً حدياً بين عدد من المتداخلين، رغم أن المشاركين فيها يعتبرون “نخبة” تؤمن بالحوار العلمي والبعد عن التعصب أو الانغماس في الهويات الضيقة، إلا أن كل هذه القيم العليا التي ترفعها، كانت محل اختبار صعب، لما للتاريخ الديني من قداسة وسطوة لا شعورية، تحرك طرائق التفكير وأساليب التعبير والحمائية تجاه الآراء الناقدة، ما يجعل الإنسان حبيس “التمذهب” دون أن يعي ذلك، فتراه منافحاً عن أفكار يفترض به تجاوزها!
إن المُشكل الرئيس أثناء الحوارات البينية الدينية، هو النظر لتاريخ الطوائف بوصفه “مقدساً” وقراءته بتبجيلٍ مبالغ فيه، وإضفاء صفات فوق بشرية على الأفراد الذين عاشوا في تلك الحقب. القراءة التبجيلية هي مقاربة ناقصة، مخاتلة، لا يمكنها أن تكون محايدة، لأنها منحازة منذ البدء، وتروم تبرير الأخطاء، وتضخيم صورة الفرد – الجماعة، والربط المباشر بين هؤلاء النفر والدين، وكأنهم جزء لا يتجزأ منه. إن تاريخ الفرق الإسلامية هو تاريخ بشري، وكما طبيعة أي فرد أو جماعة فإن لهم إيجابياتهم وسلبياتهم، هم ليسوا ملائكة وليسوا شياطين، إنما أفرادٌ أبناء زمانهم، محكومون بالظروف التي عاشوا فيها، والمعارف المحدودة التي كانت لديهم. أية نقاشات لا تأخذ في الحسبان الجانب البشري للتاريخ الديني – المذهبي، ستستحيل سجالات صدامية، يهدر فيها المشاركون الكثير من الجهد دون الوصول إلى أية نتيجة، لأن كل طرف يريد إثبات صحة سرديته، وخطأ الرؤية المغايرة، حتى لو لم يقل ذلك صراحة، إلا أن تلك هي غاياته المضمرة.
لقد عانت المجتمعات المسلمة كثيراً من هذه السجالات المذهبية، وحان الوقت لأن يتم تجاوزها، وعلاج الآثار السلبية التي أحدثتها، وترسيخ قيم العقلانية والتنوير وتحرر الفرد من العيش في الماضي، لأن المستقبل هو ما نصنعه بالعلم والتجريب والتنمية، لا ما نتخيله في بطونِ كتب الأقدمين!.

*كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .