العدد 5388
الأحد 16 يوليو 2023
banner
تنظيم الذكاء الاصطناعي: موضوع يزداد أهمية
الأحد 16 يوليو 2023


في ظل التطورات المتلاحقة في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح التغيير الجوهري في دور عاملي مجال المعرفة جليا في الوقت الذي تتداخل فيه هذه التكنولوجيا مع نطاق أوسع في حياتنا اليومية. ولقد طرحت على مدى سنوات موضوع "تأثير الذكاء الاصطناعي"، وناقشت ضرورة تنظيم هذه الصناعة ووضع تعريفات واضحة لمفهوم الذكاء الاصطناعي، كما إلى مدى الحاجة إلى طرح الأسئلة الدقيقة التي تساعد في توجيه هذه الصناعة لمنحى إيجابي يحترم القيم الإنسانية ويحميها، ولابد أن نكون قادرين على فهم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتدقيقها، وعلى معالجة النقص المزعج في تنظيمها؛ إذ إن بإمكان هذه التكنولوجيا   تعطيل حياتنا ويجب علينا مواجهة ذلك.
ولقد عبّر عن هذه المخاوف العديد من كبار الخبراء التقنيين أمثال: سوندار بيتشاي (الرئيس التنفيذي لشركة جوجل)، وإيلون ماسك (الرئيس التنفيذي لشركة تويتر)، وستيف وزنياك (المؤسس المشارك لشركة آبل) وآخرين، بل إن بعضهم طالب بإرجاء تدريب الذكاء الاصطناعي إلى حين الانتهاء من تأسيس إطار تنظيمي مناسب له. وحتى يتسنى لنا ذلك فإننا نحتاج إلى تعريفات مناسبة قبل المضي قدمًا في هذا المضمار، لأن الذكاء الاصطناعي يشير إلى مفاهيم مختلفة لأشخاص مختلفين كما بيّنت ابنتي جمانة أبوغزاله في مقالتها المميزة عن تعريف الذكاء الاصطناعي، الموسومة بـ " Ay Yai, A.I.! Or what we need to talk about when we talk about AI"، على الرابط: (https://jumanaag.medium.com/ ay-yai-yai-a-i-c3516db0e82b.)، وبالفعل، لا يمكننا ترك التقنيات دون تعريفها وفهمها بشكل صحيح. فحتى "بيتشاي"، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، يعترف بوجود "ثقب أسود" أو غموض في طريقة عمل روبوتات الدردشة؛ حيث "لا نفهم كليًّا" كيف ولماذا توصل الروبوت إلى ردود معينة.
ولا يختلف اثنان على أن التنظيم محورٌ أساسيٌ لبناء صناعة الذكاء الاصطناعي القادمة، تمامًا كأهميته في كل جانب آخر من جوانب حياتنا. ومن الضروري وضع معايير وقواعد لأنظمة الذكاء الاصطناعي، من أجل منع إساءة الاستخدام، وحماية حقوق ومصالح الأفراد والجماعات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي.  بالرغم من ذلك ندرك أن وضع إطار لهذا التنظيم أو تنفيذه ليس بالأمر السهل، إذ أن تطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي متسارعة جدا وغالبًا ما تكون مبهمة. علاوة على ذلك فإن التنظيم ليس مسألة فنية أو قانونية فقط، بل أخلاقية واجتماعية أيضًا، وهناك الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابات، أذكر منها:
كيف يمكننا الموازنة بين الابتكار والقدرة التنافسية للذكاء الاصطناعي وحماية المستخدمين وأصحاب المصلحة وتمكينهم؟.
وكيف نستطيع التأكد من أن الذكاء الاصطناعي يعكس التنوع والشمولية للمجتمع البشري ولا يؤدي إلى تفاقم التّمييز القائم بالفعل؟.
وكيف يمكننا تعزيز الثقة والشفافية في أنظمة الذكاء الاصطناعي ونتائجها؟.
وكيف يمكننا التأكد من أن مجموعات التدريب المستخدمة لبناء هذا الذكاء الاصطناعي ليست متحيزة؟.
فهذه الاستفسارات جميعها ذات صلة يجب أن نبدأ في معالجتها الآن.
وحيث أنني ترأست اللجنة الاستشارية لحوكمة الإنترنت بفرقة العمل المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة للأمم المتحدة أدرك أن إحدى الطرق الممكنة لمعالجة هذه الأسئلة هي اعتماد نهج إنساني لتنظيم الذكاء الاصطناعي على النحو الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي في الإطار القانوني للذكاء الاصطناعي للعام 2021م، والذي يهدف إلى ضمان تناغم الذكاء الاصطناعي وكرامة الإنسان وحقوقه واستقلاليته، وخدمة الصالح العام. وفي ضوء هذا الإطار، يجب على أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تخضع لمستويات مختلفة من التنظيم اعتمادًا على المخاطر التي تفرضها على الحقوق الأساسية والسلامة، فمثلا: يجب على أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية الخطورة (كتلك المستخدمة في التعرف على القياسات الحيوية أو البنية التحتية الحيوية أن تمتثل للمتطلبات الصارمة المتعلقة بجودة البيانات ودقتها وقوتها، وعليها أن تخضع لإشراف الإنسان وآليات ضمان الإنصاف. من جهة أخرى، ينبغي تشجيع أنظمة الذكاء الاصطناعي منخفضة المخاطر أو المفيدة (كتلك المستخدمة في مجالات الترفيه أو التعليم) ودعمها بالحوافز والتمويل. وهذه إحدى الوسائل الممكنة.
أما الوسيلة الأخرى المقترحة، فتقوم على إشراك العديد من أصحاب المصلحة في إدارة الذكاء الاصطناعي تحت إشراف لجنة دولية جديدة، وهو ما دعوت إليه سابقا. قد نطلق على هذا التشكيل اسم "لجنة الذكاء الاصطناعي للمصلحة العامة"، تتألف من: شركات الذكاء الاصطناعي، والمهندسين، وعلماء الاجتماع، والمشرعين، وعلماء الأخلاق، والفلاسفة، وغيرهم ممن يمكنهم تقديم وجهات نظر ورؤى مختلفة حول آثار الذكاء الاصطناعي. وهذا التشكيل لا يمكن أن تتبناه شركة أو دولة واحدة، بل يجب أن يستند إلى إجماع شرائح عريضة من الخبراء في مختلف المجالات التي تتداخل مع الذكاء الاصطناعي. وهذا بالتأكيد أمرٌ لا يمكن تركه للصدفة أو مناقشته بطريقة عابرة، إذ إنه تخصص معقد للغاية يتطلّب الوضوح والشفافية على جميع المستويات لغاية تقدير وفهم ما نتعامل معه بصورة متكاملة وأن نتحلى بالفهم الكامل للفرص والمخاطر والتأثيرات التي يقدّمها. من ثَمّ تكون لدينا القدرة على بناء إطار تنظيمي قوي وشامل.
إنني أدعو جميع العاملين في هذا المجال بمن فيهم "سوندار بيتشاي" و"إيلون ماسك" و"ستيف وزنياك" و"بيل جيتس" وآخرين للتعاون معي في سبيل إنشاء هذه اللجنة، ويسعدني تنظيمها واستضافتها في إطار منتدى طلال أبوغزاله الدولي للمعرفة، وسأعمل على نشر التوعية على مستوى العالم؛ لأننا نقف أمام منعطف تقني مهم جدا يستحق أقصى درجات العناية والاهتمام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .