العدد 5360
الأحد 18 يونيو 2023
banner
فمن عفا وأصلح فأجره على الله
الأحد 18 يونيو 2023

قصة معبرة سردها لي أحدهم عن قطع الأرزاق وما أبشع ذلك، حيث قال “كنت أعمل في إحدى الجهات عام 2008م وأعول طفلتين صغيرتين، وزوجة تدرس في الجامعة، وبظروف مالية صعبة جداً، حالت دون استقدام خادمة، ومع مرور الأيام، تبين لي بأن أحد زملاء العمل “حاطني في راسه” في كل شاردة وواردة، لأنني أفضل منه، وأكثر إنتاجية والتزاماً، مع أنه أقدم مني، لكن بإخلاص وظيفي محدود، ومع مرور الوقت بدأ يستخدم معي أسلوب الوشاية، والدسائس، و”التحفر”، و”التنغيص” حتى حول حياتي إلى جحيم لا يطاق، انتزع مني حتى النوم.
مع الوقت بدأ زملائي ينفرون مني تدريجياً، بسببه، وأسلوبه العصابي في تكوين “اللوبيات” وعزلهم عني، فكان يعزمهم للعشاء، والسينما، ويحضر لهم فطورا صباحيا مكلفا، باستثنائي، وظل هذا الحال مستمراً، حتى وصل مسؤولي نفسه لقناعة تسريحي من العمل، وهو ما حصل. ذهبت في يوم عملي الأخير إلى هذا الشخص، وقلت له بملء الفم إنه قطع رزق أربعة أشخاص، والظلم ذكر بالقرآن الكريم أكثر من 290 مرة كأكثر كلمة متكررة، وقلت له بثقة إنه سيذوق عذاب الدنيا قبل الآخرة، لأنه قصاص رباني، ولابد أن يتم. بعد مرور ثلاثة أسابيع من تركي الوظيفة، وكنت حينها عاطلا، التقيت أحدهم صدفة فقال لي “دريت شنو صار بفلان؟”، إشارة لهذا الشخص، فأجبته “لا”، فقال لي إنه تسبب بمشكلة ما، فصل على إثرها عن العمل، وقال لزملائه إنه سيذهب لدولة خليجية للعمل. لم أشمت بما سمعت، ولم أتشف ولم أحدث أحداً بما حصل، لكنني وبقرارة نفسي تألمت لأجل أولاده، لأنهم لا ذنب لهم بما يحدث، أو بما فعله أبوهم بالآخرين.
بعد مرور عشر سنوات كاملة، تلقيت اتصالاً من رقم خليجي غير مخزن لدي، حين رددت تفاجأت بأنه هو المتصل، حيث قال لي بضراعة “أرجوك يا اخوي حللني من اللي سويته فيك من يومها وأنا مو مترقع، وحياتي جحيم في جحيم، وزوجتي تأكد لي بأن السبب هو ما فعلته بك”. استمعت إليه لوهلة قبل أن أقول له كلام ربي.. “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، فما كان منه إلا أن هلل وشكرني لأكثر من خمس دقائق، بصوت باك متألم.

* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .