العدد 5359
السبت 17 يونيو 2023
banner
استلَفَ مني ولم يُرجع!
السبت 17 يونيو 2023

القَنَاعَةُ في المأكَلِ والمشْرَبِ والملْبَسِ والمسكنِ، وتعويد النفس على الاقتصادِ والاستغناء عن الكماليات، والاجتهاد في العمل والوقاية من عوز الغير، والتّطَيِّب في الكسب الحلال؛ قد تأتي علاجاً ناجعاً لها بعد أنْ غدتْ ثقافة لجأ إليها الكثيرون للإنفاق على أمور ترفيهية وكمالية آلت إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية لا تحمد عُقباها بعد أنْ بلغت حدّ "المظلمة" في المال والعرض حين التساهل فيها - ولو كانت درهماً أو ديناراً - مهما بلغ فيها المؤمن بصلاحه في ظل اهتمام الشريعة بتفاصيلها المترتبة على المماطلة في سدادها والتسويف في إرجاعها لتُفرد لها أطول الآيات في محكم التنزيل، حتى بدت ريبة الليل ومذلة النهار ووكر الكرام ورقّ الاستعباد!
هذه الثقافة التي يَطلب فيها الإنسان من غيره شغل ذمته بديْن سواء كان إجارة أو ضمان متكلف أو عوضاً عن مبيع أو قرضاً عن سلعة، هي في حقيقتها طلَبُ أَخْذِ مالٍ مِن غَيْرِك لِرَدِّ مِثْلِهِ في الـمُسْتَقْبَلِ، أو هي اسْتِقْراضُ بما يُعْطى مِن المالِ المَدْفوعُ لمَن يَنْتَفِعُ بِهِ ويَرُدُّ بَدَلَهُ. هذه الثقافة بدت مذمومة حتى أنّها حالت دون "براءة" الشهيد باعتبارها هما يلحق صاحبها بهاجس العجز والتقصير تحت ظلال البطالة والكسل والسؤال والتّسول وشغل القلب وتذلل اللقاء واستشعار القهر والقلق والمذلة التي يقع فيها المُستدين تحت وقع آفات الكذب وخلف الوعد وحنث اليمين وقَسَمُ الكفارة وسوء السمعة وعِظم الحرام المُذل في الدنيا، والمُهلك في الآخرة حتى يلقى عاقبته العظمى إلى ما عليه مِنْ دَيْن ولك من دِين، وهو خيرٌ له من أن يلقى خالقه المُتعال وقد قضى دَينه وذهب دِينُه.


نافلة: 
يحكى واقعاً بأنّ أحدهم جاء إليه طالباً مبلغاً من المال على سبيل "السُلفة"، ذكر المُستلِف للمُسلّف مقدارها وأعلمه بوقت سدادها، فأعطى المُسلّف للمُستلِف ما طلب دون تردد أو تأخير، غير أنّ المُسلّف تفاجأ عندما حان الموعد المتفق عليه مع المُستلف لإرجاع السُلفة، فقد نسيَ المُستلِف السُلفة ومُسلّفها ومقدارها وموعد سدادها في آن! غير أنّ المُسلّف بادر بمهاتفة المُستلِف الذي أجابه (نهاية الشهر!)، إلى أنْ توالت هذه النهاية شهراً بعد شهر، ليصطدم بواقع الحال أنّ المُستلف خارجٌ في سفرة رفاهية وترويح والجميع من حوله يُطالب بحقه غير المرتجع منه!
ما تؤكده الواقائع وتُترجمه الحقائق أنّها أقصر الطرق لخسارة الأصدقاء.. نعم إنها "الاستدانة" التي تَجثم على صدر صاحبها مذلّة وضيقاً وحرجاً وإهانةً وانكساراً، فيما تُؤرق مَنْ سَلَّف ضيقاً وحسرة وتطنيشاً وإهمالاً وإغفالاً وتغافلاً! وهذا ما دعا الشريعة السمحاء لضبط أسس التعاملات المالية من أجل أن تتجنب "مظنّة" الوقوع في الخلاف والشقاق كأن تكون لحاجة ماسة أو تأمين مطلب أو أمرا مبررا في اعتدال دون تقتير.

كاتب وأكاديمي بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .