العدد 5357
الخميس 15 يونيو 2023
banner
“حلف الفضول الجديد”.. البشرية سواء!
الخميس 15 يونيو 2023

تمت الإشارة في مقالي السابق “بن بيه.. هل هو استثناء بين الفقهاء” إلى أن إحدى المحطات المهمة في مسيرة الشيخ عبدالله بن بيه العملية، مشروع “وثيقة حلف الفضول الجديد”، التي أطلقت من العاصمة الإماراتية أبوظبي، عام 2019، وهي برأيي جاءت لتطور “إعلان مراكش لحقوق الأقليات في الديار الإسلامية” في 2016، وتبني رؤية متقدمة، كون “الوثيقة” تخطت التقسيم التقليدي لـ “أقلية” و “أكثرية”، ورسخت فكرة “الإنسان” وكرامته، بغض النظر عن دينه وعرقه وجنسه؛ معتبرة أن كل فرد له الحق في “المواطنة الشاملة” دون أي تمييز.
“وثيقة حلف الفضول الجديد” وقع عليها العديد من المفكرين والقيادات الروحية من أديان وثقافات مختلفة، لأن أساسها المشترك الإنسان، ولم تكن التعاليم الدينية أو الفقه رافدها الأوحد وحسب، بل القارئ لـ “الوثيقة” سيجد أنها استفادت دون مواربة من الفكر الفلسفي الأوروبي في عصر التنوير، وأيضًا من النقاشات التي دارت بين المثقفين حول الحرية والعدالة والمساواة، واستندت في العديد من نصوصها إلى “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، ما يجعلها وثيقة مدنية التوجه، الدين فيها قيمة روحية وأخلاقية عُليا، وليس محددًا آيديولوجيًا مغلقًا.
“وثيقة حلف الفضول الجديد”، كانت نتاج ثلاثة أمور رئيسة:
1. تطوير النظرة لدور “الدين” في المجال العام، من خلال التركيز على “مقاصد الشريعة” بمعناها الأكثر حداثة ومواكبة للتغيرات الكبرى التي مرت وتمر بها البشرية، لاسيما مفاهيم مثل: الإنصاف، احترام استقلال الفرد، العدالة، وعدم الانشغال بتفاصيل الفقه التي تجعل “الدين” وكأنه قفصٌ يحبسُ المؤمنين ويمنعهم عن التعاون أو التعاطف مع أقرانهم من البشر.
2. عمل مؤسساتي، من خلال الفريق المعني بالمشروع في “منتدى أبوظبي للسلم”، والجهات الشريكة له. خصوصا أن عملية تطوير الخطابات المعاصرة، لم تعد اليوم مسؤولية فردية، بل يجب أن تنهض بها مراكز بها مختصون في علوم شتى، فقهية واجتماعية وفلسفية وقانونية.
3. السعي الدائم للتطور وعدم القلق من نقد المقولات السابقة لعلماء اللاهوت، لأن هذا النقد هو ما سيجعل “الدين” قوة روحية رافدة للإنسان، ويخرجه من مربع الصراعات والنزاعات التي بقي يدور فيها لقرونٍ خلت.
إذا كانت “وثيقة حلف الفضول الجديد” بهذه الميزات الفكرية، فكيف يمكن تطبيقها، وتحويل بنودها إلى خطة عملية للسلم المجتمعي؟ المقال القادم سيحاول الإجابة على ذلك.
* كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية