العدد 5357
الخميس 15 يونيو 2023
banner
لا أقبل.. لا مانع
الخميس 15 يونيو 2023

في رسم كاريكاتوري مؤلف من ثلاث لوحات، يظهر أحدهم مقابل آخر يحمل علم الشواذ (المثلية)، فيقول صارخًا: “لا أقبل”، في اللوحة الثانية يزداد حاملو اللواء، فيقلّ تعنته ويقول: “لا أسمح”، وفي اللوحة الثالثة يكون الشواذ على مدّ البصر بأعلامهم، فينكسر صاحبنا ويقول: “لا مانع”!
يلخص هذا الرسم أية قضية لها طرف يعمل على ترويجها، ونشرها، والضغط في اتجاهها، مقابل طرف آخر يرفض اليوم... تحاصره المتغيرات فيقل حماسه... تتراجع “القضية” إلى الوراء شيئًا فشيئًا، يومًا تصبح “موضة قديمة”، حتى تتحول إلى أمر اعتيادي لكثرة من يدعمون الوجه الآخر، ولرواجها في الأعمال الفنية بداعٍ وبدون داع، حتى يتم تخدير عروق الغضب والرفض لدى الجمهور، فيتم - مع الزمن - ما أريد له الانتشار، فيكون أمرًا واقعًا، ومن لديه عزم وإرادة لتغيير الواقع؟! 
لقد تشبّعت الأجواء احتجاجات ودمدمات بشأن الترويج للمثلية بشتى الطرق، لكننا كما يقول عبدالله البردوني “كالأعمام والأخوال في الإصرار والوهنِ”، فسرعان ما سنتعب ولن يتعبوا، وقريبًا ستشدنا قضايا أخرى نلتفت إليها، وأصحاب الرايات الملونة سيتقدمون خطوات في غفلتنا، ستلهينا معايشنا، والقضايا المحلية والخارجية، وتصبح المثلية “واحدة” من جملة من القضايا، وستتعدد مداخلها إلينا، وستقوى مع مرور الزمن، فهذا السيناريو طالما عايشناه، وطالما كنا الطرف الأضعف والأقرب للخسارة فيه، وإذا لم نخسره تمامًا، فكل ما نستطيع فعله هو تقوية “حرس حدود” القيم التي نشأنا عليها ونراها أصولًا غير قابلة للتفاوض عليها. اليوم تنشأ أجيال من الصغار الذين يرون أن المثلية “خيار”، ويجب ألا “يضطهد” المثليون، بل على الرافضين للمثلية ألا يجاهروا برفضهم، ويكتموا ذلك في نفوسهم وإلا تعرضوا للعسف لدى هذا المجتمع الطارئ.
ستكون حصون الواقفين ضد المثلية وانتشارها متداعية الأسوار، ما لم تكن هناك حركة “عالمية” في مقابل حركة نشر المثلية، بالقوة نفسها، والتكتيك المتجدد، والنفس الطويل، للحدّ من هذا الاكتساح المتنامي، حتى لا يصبح طبيعيو اليوم - لندرتهم - شواذ المستقبل.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية