العدد 5344
الجمعة 02 يونيو 2023
banner
“حبابك عشرة”
الجمعة 02 يونيو 2023

أول جملة توقفت عندها وقت زيارتي السودان قبل ما يقرب من عشرين عاما “حبابك عشرة”، يستقبلك بها الجميع هناك، بعد عدة مرات طلبت ترجمة من صديق، قال: “حبابك عشرة بلا كشرة”، ترجمتها “مرحبا بك سنخدمك بأصابعنا العشرة وبابتسامة”.
استقرت محبة من نوع خاص بعد هذه الزيارة، رغم أنني ارتكبت حماقة غير مقصودة عكرت الأجواء لكن الوقت وطبيعة الأخوة هناك تكفلا بالعفو. لم تكن المحبة ابنة كرم الضيافة فقط، كان كرما محملا بالموسيقى والثقافة والفلسفة الساخرة، لم تخل الحوارات مع الجميع بداية من بائع المانجو ونهاية بالمطرب الكبير الأستاذ عبدالكريم الكابلي من حس المعرفة الأنيقة الهادئة ورغبة فطرية في أن تكون المضايفة مشمولة بالضحك الرائق. حساسية عالية، لمست وجهها الآخر عندما تنقلب غضبا، وكنت قد التقطت أثناء الرحلة على هامش مخيم الشباب القومي العربي، صورا لبعض السيدات اللواتي يبعن المشروب الذي صار المفضل عندي فيما بعد، الشاي بالقرنفل، وكنا قد تجمعنا حولهن وبرفقتنا بعض الأصدقاء السودانيين، والتقطت صورة أخرى جمالية لفتاة كانت تطل من شرفة على النيل في أقصى اتساع له وسط الخرطوم.
لم أعرف أنه كان يجب أن أستأذن قبل نشر صور الصديقات السودانيات، لسبب ما كان التصرف وقتها مزعجا ويتجاوز حدودا لم أكن على علم بها، وكان واردا أن يمر هذا الخطأ بسلام، لكن أحدهم كان يراجع بروفات عدد المجلة قبل أن يذهب إلى المطبعة، واكتشف أن الصور بدون تعليق، فتبرع مشكورا – منه لله - بأن يضع لمسته، فكتب تعليقات من نوعية “فتاة تطل من الشرفة بحسرة على أحوال السودان”، وكتب على صورة بائعة الشاي – والتي كانت تضج بالمرح والمحبة والابتسام - “على الرصيف في انتظار بعض الشاي”، (بما يعطيك انطباعا أنه مشروع تسول).
وصل عدد المجلة إلى أصدقائنا هناك (وربما وصلت الصور والتعليقات فقط)، واعتبر بعضهم أن ما قمت به خيانة للمحبة وكرم الضيافة والبيوت التي فُتحت أبوابها لي، وتبرع أحدهم بنقل الغضب إلى الصحافة السودانية، فوصلتني في البريد أعداد من صحف محلية كانت تتفرد في تنفيض العبد لله صفحة وأكثر أحيانا.
اجتهدت في الدفاع عن نفسي، لم أنجح وقتها، لكن كرم الأصدقاء هناك هو الذي ساعدهم على تفهم الموقف بعد وقت.
نتمنى لهم السلامة وأن تنتهي المحنة في أقرب وقت.
* كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية