العدد 5303
السبت 22 أبريل 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
سألوني الناس عنك
السبت 22 أبريل 2023

لعل واحدة من أجمل وأرق أغاني الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز أغنية “سألوني الناس”، والتي غنتها ضمن أغاني المسرحية الغنائية الرائعة “المحطة” التي عُرضت على مسرح البيكاديللي في شتاء 1973، ولعل كثرة من محبي هذه الأغنية يجهلون أن هذه الأغنية كانت وراءها قصة أليمة، كما تتفتق من خلفها أيضاً عبقرية وموهبة فنية عظيمة جديدة في تلحينها، ذلك بأنه في صيف 1972 وبينما تجري أعمال التحضير للمسرحية على قدم وساق لتقديمها على المسرح المذكور تعرض فجأةً الفنان والموسيقار الكبير عاصي (زوج فيروز) لانفجار في المخ، نُقل على إثرها لباريس للعلاج، ما اضطر شقيقه منصور للعمل وحده في استكمال التحضيرات للمسرحية، بالشراكة مع إلياس الرحباني وفيروز وابنها الفتى زياد، وهنا خطرت لمنصور فكرة أن يُقحم أغنية “سألوني الناس” ضمن أغاني المسرحية؛ لتكون عربون وفاء للمريض الغائب الذي كان أحد المخرجين الرئيسيين للمسرحية وأغنياتها، ألا هو عاصي نفسه، فسأل الفتى الموهوب زياد عما إذا ما كان لديه لحن ما جميل، فأسمعه لحن الأغنية واُعجب منصور باللحن أيما إعجاب، لكن زياد الذي كان عمره حينذاك 14 عاماً نبّه عمه بأن اللحن محجوز لأغنية جديدة للفنان المطرب مروان محفوظ، والمعروف أيضاً بمشاركته في مسرحيات الأخوين الرحباني، على أن منصور أصر على اختطاف اللحن لترشيحه لأغنية ستكون من نظمه هو، ألا وهي” سألوني الناس”، وتعهد بأن يتكفل بتنازل محفوظ عن اللحن. وعلى الرغم من أن الأغنية لا صلة لها بموضوع المسرحية، إلا أنها حققت نجاحاً باهراً، ما حمل الجمهور الذي اغتصت بهم القاعة على الوقوف لتوجيه عاصفة من التصفيق إعجابا بها.
وهذه الأغنية مثلما تقف وراءها تلك القصة الحزينة، فإنها تكشف لنا من خلفها موهبة فتية واعدة ممثلة في زياد.. وفي أحد الحوارات التلفزيونية التي أجريت معه يرى زياد أن اللحن الذي ألّفه للأغنية كان تحت تأثره بأغاني الفنان المصري الكبير سيد درويش، والتي كان يستمع إليها من محطة” صوت العرب” من القاهرة، ويضيف متنبئاً بأنه لو قُدّر لدرويش أن يعيش طويلاً لكانت أعماله الموسيقية لا تختلف عن أعمال الرحابنة الفنية القديمة شديدة الشبه هي الأخرى بأعمال درويش.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .