العدد 5296
السبت 15 أبريل 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
كيف يكافح المسلمون الإسلاموفوبيا؟
السبت 15 أبريل 2023

لقد عرفت البلدان الغربية موجتين متميزتين من هجرات العرب والمسلمين إليها في تاريخنا الحديث، إذ يمكن القول إن الموجة الأولى شغلت القرنين التاسع عشر والشطر الأعظم من القرن العشرين، أما الثانية فقد بدأت على نحو تقريبي مع بدايات الثمانينيات متزامنة مع عصر ما عُرف بانطلاقة "الصحوة الإسلامية"، ومازالت هذه الموجة مستمرة على نحو مضطرد إلى يومنا.
لعل الراصد لأوضاع المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية سيخلص إلى أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بحق المسلمين لا وجود لها في تلك المجتمعات تجاه المهاجرين خلال هجرات الموجة الأولى التي حددنا نهايتها بأواخر السبعينيات، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود حالات هنا أو هناك بهذا القدر أو ذاك واجه فيها المسلمون أشكالاً من التمييز والمضايقات على خلفية ديانتهم. ويمكن القول إن الحالات السلبية التنميطية من التمييز والكراهية تجاه المسلمين، أخذت تتشكل رويداً رويداً في المجتمعات الغربية خلال موجات الهجرات المتعاقبة للموجة الثانية، أي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حتى يومنا، بل يمكننا القول أيضا إن العداء وأشكال التمييز تجاه المسلمين بلغت ذروتها طردياً خلال العقدين الماضيين ومازالت، حتى تحولت إلى ظاهرة مقلقة عُرفت بـ "الإسلاموفوبيا". وهنا نتساءل: لماذا برزت هذه الظاهرة خلال موجات الهجرة الثانية ولم تبرز خلال موجات الهجرة الأولى؟ 
ليس من الصعوبة بمكان، في تقديرنا، استخلاص أن العدد الأكبر من مهاجري الهجرة الأخيرة جاءوا من أوساط اجتماعية تأثرت بتنامي ظواهر الغلو الديني والتطرف في بلدانهم، ولعل نسبة كبرى منهم تمسكوا في الدول التي هاجروا إليها بمسلكياتهم المتسمة بالغلو والتطرف، بل فشلوا في التكيف مع قوانينها واحترامها، كما أن هناك عدداً من تلك الدول الغربية لم تولِ من جانبها أهمية كافية لمساعدة المهاجرين إليها على الاندماج في مجتمعاتها، ولاسيما المتورطة منها في سياسات عدائية إزاء قضايا العرب والمسلمين. وفي هذا المناخ وجدت التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية ضالتها لتنفث سمومها ضد العرب والمسلمين، ومن ثم نجاحها في استقطاب جمهرة من شعوبها، وهنا بالضبط برزت ظاهرة "الإسلاموفوبيا". ولاشك بأن معالجة الظاهرة بحاجة لتعاون جاد بين الدول الغربية والدول الإسلامية. 
والحال أن تحقيق التعاون الجاد بين الدول الإسلامية والدول الغربية للحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا وصولاً لاستئصالها يتطلب - في تقديرنا - جملة من العوامل ينبغي تضافرها، لعل أهمها: 
1- أن تكون الدول الغربية الديمقراطية جادة فعلا بمراعاة تطبيق حقوق الإنسان والعدل والمساواة بين كل البشر الذين يعيشون فوق أراضيها، وهنا فإن وعي المواطنين يلعب دوراً رقابياً مهما نحو إيصال حكومات منتخبة تتحلى بالحد الأدنى على الأقل من تلك القيم الإنسانية، وللأسف فإن هذا الدور مازال مغيباً عن اهتمامات المواطن الغربي، مع أن النتيجة لهذا التغييب قد تتغذى منها الأعمال الإرهابية داخل بلدانها، والتي من شأن الجميع - مواطنين ومهاجرين ومقيمين - أن يدفعوا ثمن لك لو تصادف وجودهم في أماكن التفجيرات الإرهابية، ناهيك عن خلق حالة من عدم الاستقرار في تلك الدول التي قد تدفعها لفرض قوانين الطوارئ، ومن ثم تعطيل الحقوق الديمقراطية والإنسانية. 
2- من الأهمية بمكان أن يكون المسلمون المهاجرون، على بينة مسبقة بأهم قوانين الحياة التي سيعيشون في ظلها لفترات طويلة في البلدان التي سيقصدونها، ويمكن للدول الغربية بالتنسيق مع الدول الإسلامية توضيح ذلك مسبقاً بأية طريقة يتوافق عليها.
3- لما كانت الغالبية العظمى من العرب هم من المسلمين، فإنه ينبغي أن يكون هناك تعاون فعّال وملموس بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي نحو تدارس أفضل الوسائل والآليات الممكنة لمتابعات حالات تنمر الإسلاموفوبيين بحق العرب والمسلمين، وتعزيز اتصالاتهم فور وقوع كل حالة على حدة مع الجهة المعنية داخل الدولة الغربية، وهذا بدوره يتطلب أن يكون للمنظمتين آنفتي الذكر مكتب ارتباط تنسيقي بآليات محكمة بالتنسيق والتعاون مع سفارات الدول العربية والإسلامية. فهل يتحقق كل ذلك؟ 
صحيح أن هذه السُبل لمواجهة الإسلاموفوبيا تبدو للوهلة الأولى صعبة وحالمة؛ بالنظر للظروف والأوضاع السياسية والدولية الراهنة التي ترزح في ظلها معظم الدول الإسلامية، لكن ليس ثمة مستحيل في القاموس السياسي، حالما توفرت الإرادة الخيّرة الحقيقية ونبذ التفرق. 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية