حسب آخر الإحصائيات الرسمية فإن أكثر من مئة طالبة إيرانية تعرضت للتسمم بغاز النيتروجين 2 السام في مدارسهن، وذلك إثر ظهور حالات جديدة في 17 مدرسة أخرى الأسبوع الفائت، علماً أن هذا المسلسل الإرهابي بدأ منذ أواخر نوفمبر الماضي في مدارس قم، ليطال بعدئذ مدارس محافظات عديدة من بينها العاصمة طهران، ويبلغ مجموع من تعرضن للتسمم حتى الآن نحو ألف طالبة.
واللافت أن هذه الحوادث المشبوهة تأتي بعد موجة احتجاجات نسائية وجماهيرية عارمة اجتاحت البلاد واستمرت نحو أربعة شهور إثر مقتل الشابة مهسا أميني في منتصف سبتمبر الماضي على أيدي شرطة الأخلاق؛ بدعوى عدم تقيدها التام بكيفية ارتداء الحجاب الشرعي، ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون تلك الحوادث قد وقعت مصادفة بمعزل عن مقتل الشابة المغدورة أميني، خصوصاً إذا ما نُظر إليها في ضوء ما واجهته السلطات من فشل في إخماد تلك الاحتجاجات التي استمرت فترة طويلة ما حملها على اللجوء إلى تشديد قبضتها الحديدية.
أكثر من ذلك فإن موقف السلطات السلبي شبه الصامت دون حزم يبدو مريبا، سيما في ضوء الدور الكبير الذي لعبته الطالبات الإيرانيات في تلك الاحتجاجات الشعبية على مقتل أميني ودفاعاً عن الحريات الشخصية للمرأة الإيرانية، ومن ثم لا يمكن عزل حوادث التسميم عن دور إعلام السلطة في إشاعة جو ثقافي ديني متطرف في البلد يُحذّر من عواقب عدم التقيد بالحجاب الشرعي. ومما يزيد غرابة حوادث تسميم الطالبات أن إيران هي واحدة من أعرق بلدان المنطقة في تعليم النساء، وبالتالي فإن مسألة الوعي الاجتماعي بأهمية تعليم المرأة الإيرانية بات محسوماً منذ أوائل القرن الماضي حيث اُنشئت أول مدرسة ابتدائية للبنات (1907)، وهذا ما يفند الفرضيات التي تنحو ببروز تيار محافظ متشدد ضد تعليم الفتيات، على نحو ما تحاول أن تروج له أوساط رسمية.
والحال ما لم تظهر السلطات حزما سريعا وشفافية كاملة في التحقيق فيمن يقف وراء تلك الحوادث المريبة والأولى من نوعها في البلاد منذ نشأة التعليم النسائي، فإن أصابع الاتهام ستظل موجهة للنظام الإيراني نفسه.
* كاتب بحريني