كم كنا فخورين بالنتيجة التاريخية التي حققها المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني في المونديال بطريقة لم يتخيّلها أشد المتفائلين، فقد كانت تساورنا المخاوف من تعرض الفريق الأخضر لخسارة ثقيلة في مواجهة ميسي “المتلهف” لمعانقة الكأس الذهبية قبل أن يتقاعد من اللعب الدولي، ويتفرغ للتوقيع على أقمصة نادي العاصمة الفرنسية باريس سان جيرمان بالقرب من برج إيفل!
لقد حقق المنتخب السعودي أولى المفاجآت المدوية في المونديال، وقدم نفسه بطريقة “فخمة” في أكبر تجمع لكرة القدم، وكان “ظاهرة كروية” لافتة بكل المقاييس، عززها زخم الجماهير السعودية العاشقة للساحرة المستديرة بأسلوبها التفاعلي مع جماهير المنتخبات العالمية.
شخصياً أتفق مع الرأي الذي يقول، إن “الطراق” السعودي لميسي ورفاقه في بداية المشوار هو من أيقض المارد الأرجنتيني النائم، أو الغائب عن وعيه في تلك الأثناء الصاخبة التي تغيرت فيها مفاهيم عديدة للتنافس الكروي، وخصوصاً بالنسبة للمنتخبات الكبيرة، حيث لم ينجُ أياً منها على الإطلاق من تذوق طعم الخسارة، وتعرض جميع الأبطال إلى سقوط واحد على أقل تقدير. وأعني هنا الأرجنتين، البرازيل، ألمانيا، إسبانيا، فرنسا.
لكن كرة القدم عوّدتنا على أن البطل يولد أثناء البطولة، وتحضرني هنا الترشيحات قبل المونديال، والتي تضع في كل مرة منتخب البرازيل في صدارة القائمة، كونه أكثر منتخب يشارك في المونديال ويضم قائمة مليئة بالنجوم والسحرة، غير أن الترشيحات هذه ليست كافية للحصول على اللقب، لأن ما يحدث في أرضية الميدان مختلفاً كلياً عما هو موجود على الورق!
أما الأرجنتين، فهي الأخرى كانت مرشحة للفوز باللقب لعدة اعتبارات أبرزها وجود ميسي في التشكيلة للمرة الأخيرة قبل أن يعتزل اللعب الدولي، ولكن الطريق لم يكن مفروشاً بالزهور خصوصاً بعد الخسارة في المباراة الأولى وبسيناريو مخادع جداً، ساهم في زيادة الضغط على ميسي ورفاقه، وجعل المتابعين يعيدون النظر في حساباتهم وترشيحاتهم للأرجنتين!
والسيناريو المخادع هو، أن الأرجنتين لم تخسر أمام السعودية لأنها فريق سيئ أو متهالك، إنما الفريق خسر بسبب التألق السعودي اللافت بقيادة المدرب الفرنسي هيرفي رونار في تلك المباراة التاريخية التي شهدت إلغاء 3 أهداف للأرجنتين بفضل استخدام تقنية “الفار” التي اصطادت نجوم الأرجنتين في مصيدة التسلل السعودية المحكمة.
وبعيداً عن هذه التفاصيل، كانت خسارة الأرجنتين بمثابة الصدمة في المونديال، وضاعفت من الضغوط النفسية على ميسي وزملائه، ولكن الفريق ظل متماسكاً، واستطاع بعدها أن يستعيد نغمة الانتصارات ولو على استحياء في بعض المباريات، وكان الفوز على المكسيك بهدفين نظيفين في المباراة الثانية، أشبه ما يكون بمخاض ولادة البطل الجديد لكأس العالم، لأنها جاءت في ظروف عصيبة.
لقد استحق المنتخب الأرجنتيني الفوز بكأس العالم، ليس لأنه أفضل فريق لعب في البطولة، وإنما لكونه أكثر فريق استطاع أن يتحمل الضغوط، وأن يتمسك برباطة جأشه، فقد اجتاز بعد المكسيك، منتخب بولندا ليتأهل من دور المجموعات، ومن ثم كسب أستراليا في دور الـ16، وتجاوز هولندا في دور الثمانية بركلات الترجيح، وتجاوز كرواتيا في المربع الذهبي، وواجه فرنسا في النهائي المثير.
لقد تشكلت شخصية البطل الأرجنتيني من مشوار صعب ومتذبذب في المباريات الست التي خاضها بالمونديال، وتعرض لكمية هائلة من الضغوط حيث لعب مع المكسيك الفريق الصعب بعد خسارة مفاجئة في افتتاح مشواره أمام السعودية، ونجى في الأدوار الإقصائية بركلات الترجيح أمام هولندا، وواجه في النهائي حامل اللقب فرنسا وبعد أن كان متقدماً بهدفين نظيفين وجد نفسه قبل عشر دقائق من نهاية المباراة متعادلاً بهدفين، وعندما تقدم في الشوط الإضافي الأول تلقى هدف التعادل في الشوط الإضافي الثاني فكان الحسم عن طريق الضربات الترجيحية.
ولست أعلم كيف سيكون شكل المنتخب الأرجنتيني في المباراة النهائية لو أنه لم يتعرض لهذه الصعوبات في المباريات الست السابقة، فهل كان سيتحمل الضغوط مثلما فعل ويحافظ على تركيزه حتى الرمق الأخير؟!!