العدد 5181
الأربعاء 21 ديسمبر 2022
banner
في أي مدرسة تعلمت كرة القدم؟!
الأربعاء 21 ديسمبر 2022

تدور الدوائر في كرة القدم كما يدور الزمن، فتخبو امبراطوريات، وتتهاوى عروش، وتصعد منتخبات وتندثر أخرى، وفي نهاية المطاف يبقى قانون “الساحرة المستديرة” هو المسيطر على المشهد برمته، البقاء للأقوى والأكثر ذكاء وموهبة.
 لقد عرفت كرة القدم طوال تاريخها مدارس عريقة بعضها خبا بريقها مثل المجر وهنغاريا، وبعضها عاد بقوة إلى الواجهة مثل الأرجنتين، وبعضها مستمرة بصفة دائمة، مثلما يحدث مع البرازيل التي تتمتّع بخصوصية في عالم كرة القدم لأسباب سنأتي عليها لاحقًا في سلسلة المراجعة اليومية التي نقوم بها عن كرة القدم وكأس العالم.
وتختلف المدارس الكروية في أساليبها الخططية والتكتيكية لتحقيق الهدف، والهدف هنا إدخال الكرة في الشباك بالمعنى الحرفي وليس المجازي، فهو الحاسم في كرة القدم، وعلى هذا الأساس تلعب منتخبات أميركا الجنوبية بثقافة مغايرة عن منتخبات أوروبا، ليحدث بينهما ما يمكن وصفه بـ “صدام الحضارات الكروي”.
 ويكفي أن نعرف أن 4 منتخبات تستحوذ على 15 لقبًا جميع نسخ كأس العالم البالغة 23، وهذه المنتخبات هي البرازيل 5 والأرجنتين 3 وإيطاليا 4 وألمانيا 4، وتشكل هذه المنتخبات ماضي ومستقبل كأس العالم وكانت طوال 100 سنة على صدارة “ترند” الكرة العالمية، لقدرتها على إبهار العالم بأجيال متعاقبة من اللاعبين والمدربين من ذوي المواصفات الاستثنائية.
وهنا استشهد بجملة قالها لاعب المنتخب البرازيلي السابق كاكا: “إن العلاقة التي تجمع الشعب البرازيلي بكرة القدم هي علاقة تبدأ منذ الطفولة، حيث تكون أول هدية يحصل عليها الطفل هي كرة القدم”، تخيلوا معي هكذا تنشأ العلاقة مع كرة القدم ذاتها، وليس مع لعبة كرة القدم، والفارق كبير جدًّا عندما يكون المشجعون والجمهور... لاعبين حقيقيين لكرة القدم وليس “بليس تيشن”!!
 وتنقسم المدارس الكروية إلى فكرين مختلفين، الأول فكر أميركا الجنوبية، الذي يعتمد على “الموهبة” بما تمثل من قيم المهارة والسرعة والذكاء، والثاني فكر قارة أوروبا الذي يعتمد على “التدريب” أي الانضباط والخطط والتكتيك، ولأن الكرة تطوّرت كما تطوّر كل شيء في الحياة، أصبحنا نشاهد تزاوجًا فكريًّا بين هاتين المدرستين مع بقاء فارق ضئيل لكنه حاسم في التفاصيل، ألا وهو الديمغرافيا!!
وحتى أجعلها أكثر سهولة عليك، خذ عندك على سبيل المثال أنواع الفواكه في العالم، وستجد أن أميركا على سبيل المثال تتصدّر قائمة أكبر بلد مصدّر للتفاح، فيما تتصدر الهند قائمة أكبر بلد مصدر للموز، والبرازيل أكبر بلد مصدر للبرتقال، ولكن لماذا تتفوق كل بلد في نوع معين دون آخر؟
اختصرها في أمرين وهما جغرافيا المناخ وثقافة الشعوب. ولأنه كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، فلا يمكن لبلد ما أن تقرّر بين ليلة وضحاها أن تكون البلد رقم واحد في كرة القدم، حتى وإن دفعت “مال قارون” فلن يمكنها ذلك من تأسيس مدرسة عريقة في عالم الساحرة المستديرة، لا من ناحية تكرار الفوز بالألقاب العالمية الكبرى، ولا من ناحية تصدير اللاعبين والمدربين حول العالم، وليس في مقدورها ولادة النجوم والمبدعين دون انقطاع مهما طالت السنين وتغيرت القوانين.
هذا ما يبرر انحصار التنافس بين أوروبا وأميركا الجنوبية على ألقاب كأس العالم منذ العام 1930 ولغاية العام 2022، لذلك عندما يصعد منتخب إلى المربع الذهبي من قارة أفريقيا ويصبح على بعد خطوة من المباراة النهائية، فهذا والله حدث غير مسبوق في تاريخ المسابقة، ولم يسبق “أسود الأطلس” أحد إليه. وهذا ما سنتحدث عنه بإذن الله، في مقال الغد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .