في تهيئة جديدة لبيئة تكون قادرة على الوقاية من الاحتجاجات قبل اندلاعها وتسهم في القبول المجتمعي بالعنف والتطرف الرسمي في مواجهتها حال حدوثها، دعا المرشد الإيراني خامنئي في 6 ديسمبر الجاري إلى إعادة بناء ثورية للنظام الثقافي في البلاد، موجهًا ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية بالعمل على تشخيص نقاط الضعف الثقافية وإيجاد حلول لها، مؤكدا أن “الهندسة الثقافية الصحيحة مهمة أساسية لإصلاح البنية الثقافية في البلاد”، قائلاً: “علينا باليقظة والتشخيص الدقيق لنقاط الضعف الثقافية في مجالات مثل المجتمع والسياسة والأسرة ونمط الحياة، والسعي لتحقيق حلول علمية لإزالة نقاط الضعف وتعزيزها، وعلى الجامعات والمراكز العلمية والبحثية والمؤسسات ذات الصلة أن تضع التقدم العلمي على رأس عملها حتى لا تتخلف بلادنا عن قافلة العلم”.
تأتي هذه الدعوة الجديدة القديمة على خلفية الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أسابيع إثر وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها بمركز للشرطة لمخالفتها شروط الحجاب، كما تأتي بعد ساعات من خطوة تهدف لتلطيف الأجواء بإعلان المدعي العام الإيراني وقف عمل شرطة الأخلاق في هذه المرحلة، وبحث قضية الحجاب من قبل البرلمان والمجلس الأعلى للثورة الثقافية.
دعوة خامنئي لثورة ثقافية ليست خارج سياق النظام الإيراني منذ قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية عام 1979 إذ تعد الثقافة من أهم أدوات فرض السيطرة سواء على الشعب الإيراني أو التغلغل والهيمنة على الشعوب الأخرى أو تصدير الثورة الإيرانية كنموذج تسعى للترويج له وفرضه على الدول الأخرى، واستطاع خامنئي نفسه إقناع الخميني منذ بدايات تلك الثورة بتبني فكرة وممارسة الثورة الثقافية في إيران وتم تأسيس مجلس خاص بالثورة الثقافية.
الملاحظ أن مؤسسات التعليم العالي هي المحتوى الأساسي لهذه الثورة، بمعنى أنها تحاول تعديل نمط هذا التعليم باتجاه غلق المزيد من النوافذ التي يمكن أن تصل الإيراني بالعلوم الغربية وفرض المزيد من أجواء العزلة والانعزال والاكتفاء بالعلوم “الشرعية” المراد ترسيخ العقول والأذهان والأجيال الإيرانية بها.
إن خامنئي وإزاء اتساع المظاهرات والاحتجاجات وتنوع مصادر الشكوى الاجتماعية، وجد أن النظام بحاجة لدعم فكري يعزز قبضته ويبرر قمعه وعنفه.
* كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية