يستدل في فيلم وثائقي غريب وخاص جداً على مدى تأثير غسيل الأدمغة منذ نعومة الأظفار، وأن أية غايات يريد تحقيقها بشر همهم الأوحد إرضاء غرائزهم لن تثنيهم ضمائرهم قيد أنملة عن بلوغها، كما أن أبرز ما يتوارى به أمثال هؤلاء لإخفاء سوئهم هو الرداء ذو الطابع الديني.
يحكي الوثائقي (Keep sweet) عن جماعة تدعى (إف إل دي إس)، ادعى الأب الروحي لها أنه رسول الله إليهم، وأن ما يقوله إنما هو وحي من الرب، وهي جماعة مازالت ذات وجود في الولايات المتحدة الأميركية، وقد يصل تعدادها إلى الآلاف. تتبنى الجماعة مبدأ تعدد الزوجات بدون سقف، وتستبيح الزواج من القاصرات والمحارم، وتعتمد الزواج القسري، وقد أسست بقوة المال، وبث الأوهام في عقول الناس، ومنع وسائل التواصل الحديثة عنهم، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع النواحي بغية عزل أفراد الجماعة عن العالم الخارجي.
وعندما غيب الموت الأب الروحي المؤسس للجماعة، تولى أحد أبنائه زمام الأمور، وكما يقال مثلما يكون الأب يكون الولد؛ فعاث الابن في الأرض فساداً أكثر مما اقترفه الأب؛ فتزوج من أرامل أبيه، وفرق بين الزوجين والأبناء، وحكم بيد من حديد في أرض بعيدة ومعزولة يسيطر عليها، إلى أن فر من فر من هذه السطوة والاستبداد واشتكى، فكان مصير الجاني الحكم عليه بالسجن لأكثر من مئة عام بتهم الزواج من قاصرات.
ومازال البعض للأسف يعتقد بتعليمات هذه الجماعة، مستمرين في تلقيها من رئيسهم القابع داخل أسوار السجن، وهو ما يثبت فعلاً الخطر الكبير من غسيل الأدمغة باسم الدين؛ فالمعتقدون هنا يتأرجحون ما بين الخوف من العقاب والنار، والرغبة في الثواب وبلوغ الجنة، ناهيك عن خوفهم من مخالفة العقل الجمعي المؤدية إلى إقصائهم وإبعادهم عن أهلهم وذويهم، وهم لا يدركون حقيقةً أن الدين مهذب للغرائز، وأن الله جل وعلا قد كرم بني آدم بنعمة العقل؛ فما ينافي العقل والمنطق لا يؤتمر به.