من القضايا التي شغلت العالم كله عبر مراحل تطوره المختلفة هي كيفية خلق بيئة دولية متقاربة المستويات والاهتمامات، بإرساء السلام والاستقرار وتفعيل العمل الجماعي والتعاون المشترك لصالح البشرية بأسرها، وكانت تزداد هذه الحاجة وتفرض نفسها بقوة بعد كل أزمة كبرى تواجه البشرية كالحروب العالمية وغيرها، فظهرت عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة وما تفرع عنها من وكالات متخصصة في مجالات عدة كالصحة والتعليم والقضاء وغيرها، ورغم كل ذلك فإن الغاية “المثالية” لم تتحقق إلى الآن.

جائحة كورونا التي ألمت بالبشرية قبل عامين ولا تزال تداعياتها مستمرة تقدم مثالاً على ذلك، فالعلماء والخبراء في مجال الصحة يتخوفون من تراجع الاهتمام الدولي بفيروس كورونا “كوفيد 19” بعد ما حققته العديد من الدول “الغنية” من نجاحات في مواجهته وتخفيف القيود ومحاولة العودة إلى الحياة الطبيعية.

ففي موضوع نشرته هيئة الإذاعة البريطانية على موقعها على الإنترنت نقلت فيه عن مجموعة من الباحثين من الدول النامية أن “كوفيد 19” سيأخذ نفس المسار القلق والمخيف للأمراض المعدية التي ظهرت في فترات سابقة مثل الملاريا والسل والأيدز ووحدت اهتمام دول العالم الغنية والفقيرة في بداية ظهورها، لكن بمجرد أن تمكنت الدول الأكثر ثراء من التوصل لعلاج فعال والقضاء عليها تخلت عن اهتمامها، وباتت هذه الأمراض محصورة في الدول الفقيرة التي سيتم إجبارها على إلغاء القيود هي الأخرى.

منظمة الصحة العالمية هي الأخرى لديها المخاوف ذاتها ولاسيما مع ما تلحظه المنظمة على سلوكيات الدول الغنية على مستويات عدة، من بينها انخفاض اختبارات فيروس كورونا وإنهاء الاختبارات واسعة النطاق في دولة كالسويد بحجة ارتفاع التكلفة، وإنهاء الاختبارات المجانية لمعظم الأشخاص في إنجلترا اعتباراً من أبريل الجاري، وقرب نضوب الموازنة المخصصة لشراء العلاجات المضادة للفيروسات واللقاحات المعززة في الولايات المتحدة الأميركية بعد تخفيض التمويل من مشروع قانون الإنفاق الضخم الذي تمت الموافقة عليه في 10 مارس!.