يبدو أن حالة القلق التي تسيطر على شعوب العالم مرشحة للاستمرار لفترة مقبلة يصعب التنبؤ بمداها، بعد أن انتابنا شعور أو ربما أمل وتفاؤل بقرب وإمكانية تجاوز مرحلة جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 والعودة إلى الحياة الطبيعية بسماتها التواصلية الاجتماعية المزدحمة، وإنهاء العزلة والتباعد الذي فرضه الوباء منذ أكثر من عامين وغير ملامح الحياة وطبيعتها.
ففي ظل حالة الإرهاق الشديد التي تعيشها دول العالم بسبب صرف غالب مواردها وميزانياتها لمواجهة الجائحة وتداعياتها، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتضيف المزيد من الأعباء وتزيد هموم الدول والبشر، فإذا كانت دول العالم قد استجمعت كل قواها وإمكاناتها في مواجهة جائحة صحية وتبذل قصارى جهدها للحفاظ على صحة وسلامة مواطنيها، فإن كثيرا من هذه الدول قد تواجه “جائحة” أخرى غذائية ستفرض نفسها في قادم الأيام وستحدث تأثيراتها، وستكون لها إفرازاتها الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الخطيرة، إن لم يتم الانتباه إليها والعمل على مواجهتها.
فقد حذرت كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، من أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية، وكان البنك الدولي قد ذكر في فبراير الماضي أن أسعار السلع الزراعية زادت بالفعل 35 بالمئة على أساس سنوي، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بسبب التوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا كونهما من كبار مصدري القمح والذرة والشعير وزيت دوار الشمس.
بل إن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” قد ذكرت مؤخرًا أن أسعار الغذاء العالمية قد شهدت في فبراير 2022م ارتفاعا قياسيا جديدا، وصعدت إلى أعلى مستوى في التاريخ.
معروف أن تحقيق الأمن الغذائي هدف تسعى إليه كل دولة، إلا أن المرحلة المقبلة يجب أن تدفع الجميع للإسراع في تحقيق هذا الهدف.