+A
A-

رواية "بلا وجه"... المرأة المحرومة من نعمة الطمأنينة في الحب

يقول نزار قباني: "الشرط الأساسي في كل كتابة جديدة هو الشرط الانقلابي، وهو شرط لا يمكن التساهل فيه أو المساومة عليه، وبغير هذا الشرط، تغدو الكتابة تأليفًا لما سبق تأليفه، وشرحًا لما انتهى شرحه، ومعرفة بما سبق معرفته".

بعد أن انتهيت من قراءة رواية "بلا وجه" للشاعرة نادية الملاح، وجدت أنها وضعت إصبعها على عصب الحياة الحساس، ورسمت بقلمها ملامح أناس بسطاء من أبناء القرية "هكذا هم في الظاهر" ولكنهم في الحقيقة وحوش كاسرة واستغلاليون لكل شيء... للدين، للعلاقات الأسرية، والصداقة، ولهذا صرخت الملاح على لسان بطلتها "ندى" وتحسّ أن لحروفها أظافر تخدش وجوه المنحرفين وتمزق أقنعة الانتهازيين والمتاجرين في الدين مثل "الشيخ الجليل أو العجوز الوقح" الذي لم يسلم من قبضته حتى أطفال الحي، لكن الخوف يلجم الناس من المساس بمن يتلبس ثوب الدين والعفاف، ومعلم الموسيقي"صلاح" الذي طلب الخروج معها.

"أي بشر هم هؤلاء الرجال. صرت أتحاشى الخروج إلى أي مكان، كي لا أسمع عباراتهم الجوفاء، أو أرى نظراتهم الجائعة، لا تشبه جوع البحر، لكنها تنضح رغبة تبعث على الغثيان".

تضاريس الرواية وجهاتها الأربع تتحدث عن المرأة المحرومة من نعمة الطمأنينة في الحب، ومن نعمة الطمأنينة في الصداقة، وهذا الحرمان يولد في نفسها الحذر والغيرة من النساء جميعًا، والحذر من الرجل زوجًا كان أم حبيبًا والغيرة الشديدة عليه، ومادام الحذر مادة حياتها، فهي مضطرة أن تعيش في قلق دائم وخوف مستمر، وهذا القلق المشوب بالخوف هو مبعث غيرتها.

بطلة الرواية "ندى" لفرط إحساسها بضعفها الطبيعي، وحاجتها إلى رجل يصونها ويحميها، لا تستطيع مهما حاولت أن تتحرر من شعور القلق والخوف بصفة دائمة مطلقة.

" ماهر... أحسّ الحياة تكرهني بالرغم من عشقي لها، تسرق مني سعادتي دائمًا، حتى حين أبتسم... لم أكمل عبارتي فأصابعه باغتت فمي....

اششششششش... لا تكملي، أنا معك حتى آخر العمر

حقًّا ماهر؟ ألن تتركني ذات يوم؟ بربي أموت لو تركتني...

ها...ندى... أنتي انثاي التي أعشق، وأثق أن لا شبيه لها في الكون بأسره، كيف أهجر روحي؟

أحبك... أحبك ماهر... لا ما أحبك.

ما تحبيني؟

لا..مافي قلبي أكبر من مجرد حب، أنا أعشقك، أعشقك بجنون..

شخصيات الرواية قليلون جدًّا ، ماهر،علي، أحمد، الأم، الأب، فراس، عبدالجبار، الحاج أبو حسين المطوع، وأسماء أخرى، والقصّاص يجب أن يدرك أنه ما من جزئية في عمله إلا وهي تقوم بوظيفة فنية، أقول وظيفة فنية لا بوظيفة مضمونية، وكل تلك الشخصيات أعطت القارئ لقطة درامية بارعة وكانت هناك إجادة لوصف النموذج فسيولوجيًّا، فالمؤلفة الملاح تعرف أن الأساس في القصة أو الرواية هي التحسّس حتى الوصول إلى الموقف، فيبدأ منه ويغرس الشخصيات والدلالات من خلال هذا الموقف، يبدأ منه وينتهي فيه ولا يخرج عن منطقه معلّقًا أو مقرّرًا، حتى لا تصبح القصة مهلهلة فضفاضة. وعملية النفاذ إلى قلب الموقف وعدم الخروج على مقوماته هي التي ستجعل الرواية فنية، بمعنى أن بطل القصة يدخل مأزقًا في هذا الموقف، ويخرج منه مغسولًا يحمل وجهًا جديدًا يُحدِث انطباعًا مغايرًا في نفس القارئ.

لست بناقد وإنما متذوق للأعمال الأدبية المحلية ومتعطش للقراءة، والمتلقي للعمل الفني يتحيّز دائمًا خلال تلقيه مع المواقف والشخصيات المعروضة، أو ضدها، يحدث ذلك لأن الفن يخلق وهمًا بالواقعية، ويثير فينا العمليات السيكولوجية نفسها التي تثيرها الحياة، فنحن نسقط همومنا وأفراحنا على بعض الشخصيات، ونتقمّص المواقف الأخرى، كما أن بعض الأحداث تخلق فينا الرضا والسعادة وأخرى تخلق السخط والاشمئزاز.