العدد 4704
الثلاثاء 31 أغسطس 2021
banner
تاريخ العلاقات بين البحرين والهند
الثلاثاء 31 أغسطس 2021

تؤكد المصادر التاريخية أن العلاقات بين البحرين والهند ترجع إلى عصر الحضارات القديمة التي مر عليها زهاء خمسة آلاف سنة. فقد كانت العلاقات بين حضارة دلمون في البحرين وحضارة وادي السند في الهند وباكستان علاقات تجارية وثيقة. وكان سبب ذلك موقع البحرين (دلمون) الاستراتيجي، وهو موقع وسط بين حضارة موهنجدارو (وادي السند)، وحضارة مزوبوتاميا (وادي الرافدين.

كانت السفن التجارية التي تنطلق من وادي الرافدين إلى وادي السند، وكذلك السفن التجارية التي تنطلق من وادي السند إلى بلاد وادي الرافدين تتوقف في ميناء دلمون للراحة من جهة، ولتبادل السلع بين تلك السفن القادمة من الهند أو العراق مع دلمون من جهة أخرى، ثم تنطلق السفن إلى وجهاتها المطلوبة.

ارتبطت البحرين بالهند بعلاقات تجارية مميزة في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي، وازدادت نموًا في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، حين كانت الهند تستورد من البحرين اللؤلؤ الطبيعي الذي كانت له شهرته الخاصة على مستوى المنطقة؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة حركة السفن التجارية بين البلدين. وأصبح الكثير من تجار اللؤلؤ من أبناء البحرين يسافرون باستمرار إلى الهند، ويبقى الكثير منهم فترات طويلة هناك. وكانت لهم منازلهم ومجالسهم الخاصة بهم، يستقبلون فيها الوافدين الجدد من أبناء البحرين والدول الخليجية.

ازداد التبادل التجاري بين البحرين والهند في العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين. وكانت السفن الكبيرة والضخمة تنقل البضائع إلى البصرة وميناء بوشهر والمحمرة وبعض موانئ دول الخليج العربية، وجميعها تتوقف في ميناء المنامة، حيث تنقل عن طريق البحر المسافرين من البحرين إلى العراق وإيران.

ومن بين تلك السفن الكبيرة والمشهورة لدى أبناء دول الخليج العربي: دريسا، ودواركا، وداره التي احترقت العام 1961، وغرقت أمام ساحل أم القيوين. وجميع تلك السفن تملكها شركة الملاحة البريطانية الهندية التي تبحر من ميناءي بومبي (مومبي حاليًا) وكراتشي إلى بعض موانئ الخليج العربي.

كان اللؤلؤ يشكل زهاء 90 % من مجمل صادرات البحرين للعالم الخارجي منذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادي، وحتى العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين.  وقد اشتهرت مجموعة من تجار اللؤلؤ من أبناء البحرين الذين عاشوا في مومبي مددًا طويلة مع زوجاتهم وأطفالهم الذين تعلموا في مدارس مدينة مومبي.

من بين كبار تجار اللؤلؤ المشهورين الذين كانوا يترددون بصورة مستمرة على الهند الوجيه منصور العريض وبعض أفراد عائلة العريض، إضافة إلى شخصيات بحرينية أخرى. وقد شهدت السنوات الأربع الأولى من القرن العشرين وجود مجموعة كبيرة من أبناء البحرين في مدينة بومبي (مومبي حاليًا). واستفاد أبناء التجار البحرينيين من وجودهم في الهند بالالتحاق بالمدارس هناك، فتأثروا كثيرًا بالحضارة الهندية؛ نظرًا لوجود دور السينما والمسارح والمكتبات في تلك الفترة في مدينة بومبي. كما أعجبوا بالفيلسوف طاغور وبالدور الكبير الذي لعبه غاندي من أجل تحرير الهند من الاستعمار البريطاني، ولكن بشكل سلمي.

من بين الذين ولدوا وتربوا ودرسوا في الهند أديب البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض، الذي تمكن أثناء دراسته من إجادة ثلاث لغات هي: الإنجليزية، والأردو، والفارسية. وعند رجوعه البحرين استفاد من دراساته في مدارس بومبي، وعمل في عدة وظائف كانت لها تأثيرها على مسيرة حياته، وساهم مساهمة مباشرة في بناء النهضة التعليمية في البلاد.

كما استفاد السيد سالم عبد علي العريض الذي درس الحقوق في جامعة بومبي، وتخرج منها. وعند عودته إلى الوطن عمل في مجال القضاء وكان له دوره الكبير في ذلك المجال.

وكمثال آخر على الشخصيات البحرينية التي كانت تتردد على مدينة بومبي باستمرار الأديب الشاعر عبد الله الزايد، الذي أدهشه وجود المطابع الحديثة وإصدار الصحف والمجلات والحركة الثقافية والفنية النشطة هناك، وانعكس ذلك على حياته العملية. فقد كان له الفضل في تأسيس أول مطبعة حديثة في البلاد العام 1937م، وتأسيس أول دار سينما مع بعض أصدقائه في العام 1938م، وإصدار جريدة البحرين في العام 1939م، وهي أول جريدة تشهدها البلاد.

هكذا كانت البدايات الأولى التي استفاد منها بعض أبناء البحرين في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. وشهدت العقود الثلاثة الخمسينات والستينات والسبعينات تواجد العشرات من أبناء البحرين للدراسة في المعاهد والكليات والجامعات في مختلف مدن الهند، وتخصصوا في مجالات مختلفة تبوأ بعضهم مناصب إدارية عالية، وعمل بعضهم في السلك الدبلوماسي، كما عين بعضهم في رتبة وزير، والبعض الآخر امتهن التجارة.

وتشهد العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية الهند في أيامنا هذه نموًا وازدهارًا؛ الأمر الذي يؤكد قرب البلدين من بعضهما البعض، حيث لا توجد مسافات بين البلدين الصديقين إلا على ورق الخريطة فقط.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية