العدد 4626
الإثنين 14 يونيو 2021
banner
عمتي “ثاجبة” موطن الحب العظيم
الإثنين 14 يونيو 2021

لقد أعطت المرأة البحرينية العالم قصصا وعظات في التضحية، إذ لا هم لها في الحياة سوى وطنها وقيادتها وبيتها وأولادها، وعمتي والدة زوجتي “ثاجبة بنت أحمد النصاري” التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى يوم أمس الأول كانت إحدى النسوة اللاتي تقدس، لأنها تعطي الوجود طعما خاصا وكأنها نجمة وحيدة تلمع في في الظلام وتفيض من حولها السكينة، كل أهل الرفاع يعرفونها بالطيبة وقلبها المتوهج بالحب والعطاء وبلسمها الشافي للجروح، فأي أحد يصادفها في الشارع كبيرا أم صغيرا رجلا أم امرأة لابد أن يلقي عليها التحية “قوة أم عبدالعزيز”، فقد كانت بمثابة والدة للجميع.


عمتي ثاجبة كانت تنادي الضوء من دمها لتنير طريق حياتنا، فقدت أمي وأبي ولكنها أعطتني رياحين مزارع الأمومة وانتشلتني من وحشة السكون وأبعدتني عن التحديق في الأفق الكئيب، لم تكن أما مثل بقية الأمهات، إنما غيمة رقيقة تحوم حول رؤوس الأبناء والأحفاد لتظللهم وتجعل عالمهم مسورا بالسعادة، بيتها ملتقى العائلة “البيت العود” حتى العصافير كانت تتسابق بالجلوس قرب النافذة وتسند رأسها إلى الجدار اشتياقا لصوتها الذي يحمل بخور الصندل والنرجس والياسمين وشحنات من الآمال الخضراء، أبناء وأحفاد وأنساب وإخوان وأخوات جميعهم كانوا يستريحون في ربيع بيتها الذي يخرج الحب من أعماقه وتنتشر منه حدائق الروعة وإشراقة الحياة.


نحن بشر لا نملك الخلود وكل ما نقوله سيبقى رمادا فوق صفحات كتاب، ولعلها حكمة ورحمة من الله تعالى أن تغادر “ثاجبة” الدنيا وهي لا تعلم أن إحدى بناتها قد سبقتها بثلاثة أيام، فالبنت توفيت يوم الثلاثاء والأم يوم السبت، وفي هذه الأيام الثلاثة انقلبت الدنيا وتحولت إلى ذكريات وحطام من الأماني ورحلة طويلة من الرثاء والفجيعة طالما أغمضت الأم عينها إغماضة الموت.


أصافحك أيتها الحياة، أصافحك بصدق رغم النواح والجراح والأنات والأحزان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .