+A
A-

الواقعية بين بودلير وكوربيه

يرصد عبد الرازق عكاشة في كتاب "الثورة والفن التشكيلي العالمي"، العلاقة بين أحد أهم شعراء مؤسس الحداثة الرمزية شارل بودلير، ورائد المدرسة الواقعية في الفن التشكيلي جوستاف كوربيه، فالأول سكن في مرسم الثاني ضيفاً عنده لمدة 12 عاماً، لم يكتب عنه بودلير إلا أقل القليل، ففي قصيدة "المنارات" يعرج بودلير على معظم الفنانين الطليعيين إلا صديقه كوربيه، الذي لم يرسم غير لوحة واحدة لبودلير، وهي ليست أهم لوحاته.

كان كوربيه قادماً من إحدى قرى سويسرا، فقال عن باريس: إنه وجد فيها الفقر في كل مكان، كما أن الثقافة أقل مما كان يتوقع "الحياة ليست سعيدة كما خيل لي، ومع ذلك لم يكتب أحد عن هذا إلا فيكتور هوجو في البؤساء"، هذا التحليل من كوربيه بمنزلة النص المحوري للغة خطابه التشكيلي، والذي حدد من خلاله مفهوم أعماله، فهو اختزال لهذا المشهد الواقعي الفرنسي شديد الواقعية ليس من أجل إنتاج واقعية درامية، بل هو اختزال فعل واقعي لإنتاج رد فعل بصري موازٍ، ليس تقليداً وإنما مرتبط بذكاء وعبقرية الفنان الخاصة.

هنا يقول بودلير: إن "كوربيه شديد الواقعية أحب فيه رائحة البقر، اللبن، الجبن، رائحة فلاحي سويسرا، ولا أحب ثقافته"

. أما كوربيه فيقول: "لا أحب بودلير المتناقض الذي له عدة وجوه لا أستطيع رسم أي منها، فهو البرجوازي المتمرد، المغيب عن الوعي باستمرار"، لكن آراء الفنان أقل حدة من آراء الشاعر بودلير، وإذا أخذنا في الاعتبار تربية كوربيه وأفكاره نجد أن هناك علاقة توحد في مساره، فبين نشأته الموسيقية عشقه وتفوقه فيها، حبه لواقعية فيكتور هوجو في البؤساء، وحسه الوطني الشديد تجاه القرية، حيث يقحم أفرادها في عدد من أعماله الكبرى​