العدد 4129
الإثنين 03 فبراير 2020
banner
تركيا العثمانية والمنزلق الخطير
الإثنين 03 فبراير 2020

مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، دشنت تركيا مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر، إذ بدأ الاقتصاد التركي يتعافى مع تحسن مضطرد في حياة المواطنين وقدراتهم المالية وتوسع ملحوظ لنطاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان ومحاولة حل المسألة الوطنية الكردستانية...إلخ، الأمر الذي انعكس إيجابا على العلاقات الخارجية لتركيا مع محيطها الإقليمي والدولي وفق سياسة تصفير المشاكل، وكان من الممكن أن تؤدي هذه السياسة العصرية والمتوازنة داخليا وخارجيا إلى تعزيز الموقع الجيوسياسي والاقتصادي لتركيا كقوة إقليمية رئيسة في المنطقة.

كل ما سبق انقلب رأسا على عقب مع بروز الأطماع والطموحات الخيالية لإحياء الرجل العثماني المريض الذي أصبح في ذمة التاريخ ولم يعد من الممكن إحياؤه بأي شكل من الأشكال، فالموتى لا يعودون، الأمر الذي أدى إلى انزلاق تركيا أكثر فأكثر في مستنقع الأزمات الداخلية والخارجية التي تهدد كيانها ومستقبل شعوبها.

داخليا، عادت حملات القمع الدموية والحرب ضد شعب كوردستان الشمالية أشد شراسة ووحشية، ولم يسلم منها أبناء كوردستان الجنوبية والغربية وخلفت وراءها داخل تركيا وعلى طول الحدود المشتركة مع العراق وسوريا مئات القرى والقصبات المدمرة كليا وآلاف القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين، بالإضافة إلى استغلال مسرحية الانقلاب المزعوم الذي أسفر عن أكثر من 170 ألف معتقل ومفصول ومعزول من بينهم قرابة (4000) قاض ووكيل نيابة عام، وإغلاق حوالي (2000) مؤسسة تعليمية وإعلامية من ضمنها (15) جامعة وحوالي (150) مؤسسة إعلامية، ما أدى إلى تراجع كبير في حقوق الإنسان وتدهورها المتسارع نتيجة الانتهاكات الرهيبة وحملات التطهير العرقي والفكري.

خارجيا، أدت الطموحات والأطماع العثمانية الطوباوية وغير المشروعة إلى التمدد العسكري العدواني المرفوض في سوريا وليبيا ومناطق مختلفة من القارة الأفريقية واستمرار احتلال قبرص وحالة العداء المستمر مع اليونان والعلاقات المضطربة التي تزداد سوءا مع الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية وأغلبية الدول العربية وحتى الولايات المتحدة الأميركية، ناهيك عن العلاقات المشبوهة مع أطراف متهمة بالإرهاب.

النتيجة المنطقية والمتوقعة لهذه السياسات المتهورة والعدوانية ومحاولات التمدد العسكري هنا وهناك والواقع الاقتصادي المزري الذي يعاني من الانكماش وارتفاع معدلات البطالة وحجم الدين الخارجي (450 مليار دولار) مع انخفاض حجم الاستثمارات الخارجية وتراجع الإنتاج الصناعي وازدياد أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر (13 %)، النتيجة الانقسام الحاد في المجتمع التركي وتشظي حزب العدالة والتنمية نفسه وتزايد النقمة الشعبية العارمة وعزلة حقيقية خانقة دوليا وإقليميا خصوصا مع عدم احترامها التزاماتها الدولية.

من الواضح أن تركيا بطموحاتها وأطماعها العثمانية تقف على مشارف هاوية السقوط المدوي للنظام الحاكم الذي يحاول عبثا إلهاء شعوب تركيا بمغامراته العسكرية العبثية الفاشلة، وأغلب الظن أنه سيخسر المعركة الانتخابية القادمة كما خسرها في إسطانبول. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية