+A
A-

المرأة .. بين خوض غمار القطاعات الصناعية والتقدير الوظيفي الهش

ظلت القطاعات الصناعية والمهنية حكراً على الرجال لسنوات طويلة قبل أن تدخلها المرأة البحرينية بشكل خجول ومحدود والاكتفاء بمواقع إدارية ومكتبية في المرحلة الأولى. 

“البلاد” أجرت هذا التحقيق لرصد حجم ومكانة المرأة في مهن الشحن والطيران والصناعة، والتحديات التي تواجه النساء في هذه القطاعات الاقتصادية الحيوية. 

وقالت مشرفة الصحة والسلامة بشركة (دي أتش إل) علياء القلاف إن زملاءها الرجال توقعوا أن تستقيل في غضون 3 أشهر من تسلم الموقع الجديد، إلا أنني مرابضة لغاية الآن وبعد مرور 4 سنوات. وتابعت: تكمنُ صعوبة العمل في مهن الإشراف على الصحة والسلامة المهنية داخل شركتي بضرورة ارتداء ملابس لم تعتد عليها النساء، وكذلك الاقتراب من طائرات الشحن وغيرها.

وأما مساعد طيار بشركة طيران الخليج وعد الدوسري، فأشارت إلى أن حجم التحدي في قطاع الطيران قد زاد من إصرارها على اقتحامه.

وتطرقت إلى صعوبات تخللت التجربة في بدايتها وأبرزها متطلبات الأمومة والعائلة والعمل بنظام النوبات واختلاف مواعيد الرحلات.

وأضافت “تأقلمنا مع مرور الوقت، وأهلي هم سند قوي لتكملة مشواري”.

 

فيما أكدت الأمين العام لمساعد لشؤون المرأة والطفل في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سعاد مبارك، أن تواجد المرأة في القطاعات الصناعية لا يزال ضعيفاً إذا ما قورن بعدد الخريجات من حملة شهادات الهندسة.

واعتبرت مبارك أن إيجاد صف من القيادات النسائية في الشركات الصناعية هي المسألة الأصعب. وأكدت النائب الثاني لرئيس الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين زبيدة البلوشي أن التحديات التي تواجه المرأة في هذه القطاعات ستتلاشى نتيجة لتنفيذ الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة من قبل المجلس الأعلى للمرأة.

الأولى

علياء القلاف تجسد نموذجاً مشرفاً لنجاح المرأة في مهن وقطاعات ظلت معتركاً يتنافس فيها الرجال دون سواهم ولعقود طويلة.

أوضحت القلاف التي تعمل حالياً بمسمى مشرف صحة وسلامة، أن خبرتها في شركة “دي أتش إل” تناهز الـ 20 عاماً، غير أن أغلبها كان خارج المهام والأدوار التي تؤديها الآن.

وأضافت: زاولت مهنة المحاسبة في المؤسسة لمدة 16 سنة، ولم أجد فيها الفرصة الكافية للترقي، وظللت انتظر الفرصة إلى أن تقاعد زميل بالشركة والذي يؤدي دوراً إشرافياً يتعلق بالصحة والسلامة حتى 4 سنوات من الآن.

واستطردت: حصلت على الوظيفة بعد رغبة حثيثة وإصرار، ونجاح في مقابلتين وامتحانين صمما لهذا الغرض، وأثبت أنني أفضل المتقدمين إلى الشاغر. وأردفت: التحقت بـ 35 دورة تدريبية (كورس) لأجل تثبيتي في الموقع الجديد، وقبلت تحدي الواقع، ورفضت كلام الزملاء الذين أكدوا بأني لن أتحمل صعوبة العمل الجديد، وقالوا “3 أشهر وبتفنش”.

المستحيل

وتابعت: تكمنُ صعوبة العمل في مهن الإشراف على الصحة والسلامة المهنية في ضرورة ارتداء ملابس لم تعتد عليها النساء والاقتراب من طائرات الشحن وغيرها من المواقع الصعبة.

وفي إطار الحديث عن أوضاع النساء الشركة: أفادت القلاف: إن “دي أتش إل” مؤسسة شحن عالمية، وتحتاج عمال على الأرض يسحبون ويحملون وينقلون المواد، وبحسب طبيعتها، ستؤول جميع هذه المهن إلى الذكور.

وبينت أن المؤسسة تحتضن قرابة 700 إلى 800 موظف وعامل في فروعها البحرينية، فيما عدد النساء فيها يقارب 100 موظفة، مؤكدة أن تقلد المرأة للمراكز القيادية في الشركات صعب على وجه العموم، ولكنه ليس مستحيلاً.

 

كابتن وعد

نموذج آخر لنجاح المرأة في قطاعات ظلت حكرا على الرجل لعقود، تمثلت في مساعد طيار أول بشركة طيران الخليج وعد سالم الدوسري التي دخلت هذا العالم في أكتوبر 2009.

وبشأن تجربتها في هذا القطاع التي تمتد لأكثر من 8 سنوات، قالت الدوسري: دخلت الطيران وعمري 28 سنة آنذاك، وهو دخول متأخر في العمر نسبياً، إذ تلتحق الفتيات بهذا المجال في سن أصغر. وزادت الدوسري: لم أقرأ أو أسمع في الإعلام عن تواجد بحرينيات في مجال الطيران، ولكني سمعت عن قائدات خارج البحرين، وزُرع الحلم في رأسي بحكم طبيعة عملي في المطار.

 الأمومة والرحلات

ولفتت مساعد طيار إلى أن حجم التحدي في قطاع الطيران قد زاد من إصرارها على اقتحامه، مشيرة إلى صعوبات تخللت التجربة في بدايتها وأبرزها متطلبات الأمومة والعائلة والعمل بنظام النوبات واختلاف مواعيد الرحلات.

وأضافت تأقلم مع مرور الوقت، وهم سند قوي لتكملة مشواري. وعبرت الدوسري عن فخرها لما وصلت إليه قائدات الطيارات في طيران الخليج من مستوى وكفاءة بفضل دعم الإدارة وتوجيهات المجلس الأعلى للمرأة بضرورة تمكينها، وما أعطاه المشروع الإصلاحي من زخم كبير لدورها.

وأوضحت أن طيران الخليج تحتضن الآن 5 قائدات طائرات، واحدة برتبة كابتن، فيما الأربع الأخريات برتب مساعد كابتن، وذلك وفق الخبرة وعدد ساعات الطيران لكل واحدة فيهن.

1 % 

 وأما الموظفة في ذات القطاع “الشحن” ميساء خلف، فأكدت أن طبيعة العمل في هذا القطاع لا تتناسب مع المرأة ولذا فنحن نعمل في مهام مكتبية بالدرجة الأولى.

وأردفت: باعتقادي فإن طبيعة العمل في صلب قطاع الشحن صعبة جداً، وتحتاج الرجال أكثر، ولذا فإن وجود شابات أو سيدات يباشرن مهام الشحن على نحو مباشر أمر نادر، ويقتصر على سيدة واحدة أو اثنتين. وقدرت خلف نسبة النساء العاملات في وظائف الشحن بـ1% بحد أقصى، وهذا ملائم لطبيعتنا، ويصعب علي تخيل امرأة عربية وخليجية تباشر شحنة قادمة وتعمل على فحصها والتحقق منها، هذه مهام صعبة ودقيقة، ولا تناسبنا.

تفضيل الرجل

وقالت خلف: قبل فترة، حضرت جانباً من عملية تفريغ للشحن، غير أن مجرد فكرة تواجدي في المكان استعدت استغراب الزملاء، وسارعوا بطرح الأسئلة بشأنها.

في المقابل، تحدثت مشرفة السلامة (ح. ن) في إحدى شركات الألمنيوم بأن جزء من الصورة النمطية إزاء المرأة لا يزال قائما، وهنالك تفضيل دائم للرجل في مواقع صناعية كثيرة، وخصوصا المرتبطة بالأجواء الحارة. وأشارت إلى أن المرأة في مؤسستها قد أثبتت نفسها، ونزلت لمعاينة المواقع وخطوط الإنتاج عندما واجهت أزمات وحوادث.

كفاح وتطور

 وأضافت: بالنسبة لي، أفضل دائما أن أكون في صورة ما يجري، وأن أنزل ميدانياً على نحو دائما، وأنا السيدة الوحيدة بالمؤسسة التي أمارس مهام الإِشراف على السلامة المهنية للإجراءات والعمال.

وقالت (ح.ن): أن النظرة النمطية إزاء ضعف مقدرة المرأة على أداء مهام ووظائف معينة لا زالت موجودة، ونحن نكافحها، وهي دون شك تؤثر على وصول النساء لبعض المواقع الإشرافية، وتحد من تطورهن أحيانا. وأشارت إلى أن النساء يتواجد بنسبة قليلة جداً، وأحيانا معدومة في المواقع التشغيلية بشركة الألمنيوم التي تعمل فيها، فالقانون ينص على منع تشغيل النساء بنظام المناوبات.

إثبات وجود

هذا، وأكدت النائب الثاني لرئيس الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين زبيدة البلوشي أن إثبات وجود المرأة في القطاعات الصناعية والمهنية شكل تحديا كبيرا لخريجات الجامعات والتخصصات المرتبطة بهذا المجال. 

وتابعت: رغم ذلك، فإن الإحصائيات تعكس مدى رغبة المرأة وقبولها هذا التحدي ويظهر ذلك بزيادة الميول للالتحاق بتخصصات مثل هندسة الكمبيوتر وهندسة الطيران. وبالنسبة لتواجد المرأة في قطاع الطيران، شددت زبيدة على عدم وجود مانع ميداني للنساء على أرض الواقع، ولذا أصبحن نرى المهندسات وقائدات الطائرات، وقد اثبتن كفاءتهن، وهذا مؤشر على أن القطاع لم يعد حكراً على الرجال فقط وان كانت نسبتهن ضئيلة جداً بالنسبة إلى عدد المهندسين الذكور.

 

 تحمل المسؤولية

  وأشارت البلوشي إلى أن سجلات العمل قد أظهرت كفاءة عالية للمرأة وأداء وظيفي ممتاز وتحملاً للمسؤولية في أصعب الظروف، وعليه فإنه من واجبنا تحفيز المرأة وخصوصا الفتيات الخريجات من الثانوية لسلك التخصصات المهنية.

ولم تغفل الإشارة إلى بعض الأسباب الاجتماعية التي لا زالت تساهم في عزوف الفتيات عن القطاعات المهنية والحرفية، وأبرزها مخاوف ذويهن وقله إلمامهن بواقع هذه القطاعات.

وبشأن تواجد المرأة في الصف القيادي بالقطاعات الصناعية والمهنية، قالت البلوشي: حسب إحصائيات الشركات التي لديها تخصصات هندسية ومهنية، فإن تواجد المرأة صاحبة القرار يعد نادراً.

احتكار

وأرجعت البلوشي هذا الواقع لدخول المرأة هذه القطاعات من مدة وجيزة، مشيرة إلى أن النساء أظهرن كفاءة عالية، ولكن بعض الرجال لا زالوا ينظرون إلى المناصب بنظرة احتكار ذكورية، ويظهر ذلك جليا في الشركات الصناعية الكبرى.

واستكمالاً لحديثها عن الصعوبات التي تواجه المرأة في القطاعات الصناعية والمهنية، تحدثت البلوشي عن قلة المغريات ومخرجات التعليم الثانوي وانعدام بيئة العمل الملائمة.

وتابعت “غير أننا في الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين وكلجنة للمرأة العاملة على ثقة تامة بأن التحديات التي تواجه المرأة في هذا القطاعات ستتلاشى نتيجة تنفيذ الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة من قبل المجلس الأعلى للمرأة، وتحت قيادة قرينة الملك الأميرة سبيكة بن إبراهيم آل خليفة وبنهج وتطبيق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك”.

 لا تناسب

من جهتها، قالت الأمين العام لمساعد لشؤون المرأة والطفل في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سعاد مبارك: إن وجود المرأة في القطاعات الصناعية ما زال ضعيفاً مقارنة بعدد الخريجات من تخصصات الهندسة على سبيل المثال.

وأردفت: أما في قطاع الطيران، فنسمع بين الحين والآخر عن كوادر نسائيه تدخل المجال وتختفي بعد فترة وذلك لطبيعة القطاع الذي يتعارض مع مسؤوليات المرأة في الأسرة.

وأشارت إلى أن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين دائما ما يشجع دخول المرأة مجالات عمل جديدة وغير نمطية، وأن لا تحتكر نفسها في قالب الوظائف الإدارية.

 

بناغاز أنموذجا

وأضافت: وبحكم تواجد المرأة القليل في هذه القطاعات، فإن إيجاد صف من القيادات النسائية هو المسألة الأصعب، ولكن الاستثناءات موجودة، فهناك عدد من النساء القياديات في بناغاز على سبيل المثال.

 وحول الصعوبات التي تواجه المرأة في القطاعات الصناعية والحرفية، قالت الأمين العام المساعد: هنالك تحديات عديدة أبرزها عدم تقبل أصحاب العمل فكرة وجود المرأة في هذه القطاعات.

ولفتت مبارك إلى وجود شركات صناعية استبدلت النساء اللاتي خرجن للتقاعد برجال، مشيرة إلى أن ساعات العمل ونظام النوبات يشكلان تحديان إضافيان أمام للنساء المتزوجات تحديداً.