العدد 3005
الخميس 05 يناير 2017
banner
طبيب.. مهندس.. أو أي شيء
الخميس 05 يناير 2017

قال أحدهم ذات مرة، إن الأفلام والمسلسلات العربية أورثتنا الكثير من المفاهيم المغلوطة، فعندما يصاب أحد بجلطة في القلب فإنه يضغط بيده على الجهة اليسرى من صدره ويصرخ: “قلبي... قلبي”. بينما القلب يقع في وسط الصدر، يميل إلى اليسار، ولكنه ليس في اليسار. هكذا بقيت الأعمال الدرامية العربية، منذ أن غزت دور السينما وغزت القلوب، وحتى يومنا هذا تغذي النزعة المجتمعية نفسها: إن كان لك أبناء وبنات فعليهم أن يتفوقوا دراسياً. وإذا ما نجحوا في التفوق، فعليهم أولاً أن يتخصصوا في الطب، فإن لم يكن فهندسة، وإن لم يكن فمحاماة، وهذا أضعف الخيارات وأدناها اجتماعياً.

ومصداقاً لهذا القول، ما علينا إلا الرجوع إلى ملاحق المتفوقين، أو انتظارها آخر العام، وسنرى الحاصلين على الدرجات الاستحالية في السنة النهائية في المدارس، وهي 99.9 %، يشتكون أولاً من العوامل المختلفة التي أثرت على درجاتهم، وثانياً البوح بأحلامهم أي دخول كلية الطب.

هذه الصورة النمطية المتوارثة لا تسري في أحلام البسطاء والاعتياديين من الناس، ولا على ألسنتهم وحسب؛ بل تجد أناسا على درجات عالية من التعليم والثقافة لا يخرج تفكيرهم عن هذا النمط. أحد المتفوقين جداً جداً لم يجد له مقعداً في كلية الطب، فأتى يجرّ أذيال الخيبة للالتحاق بالهندسة (على الأقل)، فتقول والدته وهي سيدة على درجة رفيعة من التعليم، إنه سيكون في الهندسة مؤقتاً لحين تصحيح الوضع المعوج ليعود إلى مكانه الطبيعي، فهو اجتهد وتفوق ليحصل على الطب. هل يسهم النظام التعليمي في تعزيز هذا الاتجاه أيضاً، حيث إنه يقسم الطلبة طبقياً حيث يذهب أحفظ الحَفَظَة إلى كليات الطب، ومن يأتي بعدهم إلى الهندسة، وبعدهم ... إلى حيث يشاؤون؟! فمن قال إن الطب للأذكياء و”الشاطرين” فقط؟! 

ففي كوبا، وهي واحدة من أشهر دول العالم في الطب، ويلجأ إليها أثرى أثرياء الولايات المتحدة، نجح الطب لديهم لأن الخيارات صعبة وقليلة فيها، حيث يقع القسم الأكبر من الطلبة ما بين أن يصبحوا مزارعين أو أن يصبحوا أطباء، قرار الدولة قاس، وهذا ما جعل أفواجا من الخريجين يذهبون إلى الطب فهو أقل تطلباً للجانب البدني والعضلي، وأكثر نظافة وأناقة من المزارع  الآتي من تحت الشمس، وجرى انتخاب طبيعي لهذه الأعداد من الأطباء ليظهر منهم النوابغ، ويصنعوا مدرستهم الطبية التي تستعين بها مستشفياتنا هذه الأيام، على الأقل في مجال التمريض كما رأيت، فهل كانوا كلهم متفوقين جداً جداً في الدراسة ليصبحوا أطباء كما الأمر لدينا؟ كما أن شروط القبول في كليات الطب في كندا وأستراليا كما اطلعت عليها، لا تقول بشرط الـ 99.9 %.

المثل الشعبي يقول: “من فاته اللحم فعليه بالمرق”، ويمكن القول هنا من فاته الطب أو الهندسة، فعليه بأي شيء، فكل الأمور بعدهما غير مهمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .