العدد 2942
الخميس 03 نوفمبر 2016
banner
الشيطان يكمن في الدهاليز
الخميس 03 نوفمبر 2016

حادثة الشجار الذي أدى إلى قتل شقيق شقيقه الأحد الماضي، كانت من أكثر الحوادث إيلاماً في الأيام القليلة الماضية، كونها أصابت أسرة واحدة، بألم وحزن مضاعفين بفقد أحد أفرادها على يد فرد آخر منها.

ومن دون أية قرائن منطقية، لا أدري لماذا أميل إلى تصديق ما قاله الجاني بأنه لا يعرف كيف تطوّر شجار اعتيادي، إلى أن امتدت يده إلى سكين، وطعن أخاه بها بما نفذ إلى قلب، ممزقاً الرئة اليسرى، وفي ما ألقى اللوم على “الشيطان” الذي دخل بينه وبين أخيه، فإن مراجعة هذا التصريح تحتاج إلى دقة.

صحيح أن للإنسان غفلة، وأنه يمكن في لحظة واحدة أن يفعل ما يندم عليه طيلة حياته، ولكن كثرة هذه الغفلات في عدد كبير جداً من الحوادث يشير بدوره إلى ما يمكن التنبه إليه.

يقول علماء النفس إنه لا أحد يمكنه الجزم بالآثار الحقيقية التي تتركها أفلام العنف، أو ألعاب الفيديو العنيفة على الأطفال والمراهقين خصوصاً، ولكن من المعروف أن التعرّض لهذا النوع من المشاهد، أو الدخول ليكون الإنسان جزءاً منها، يمارسها عددا من الساعات، وعلى مدى أيام، يجعله – وإن لم يسلك سلوكا عنيفاً مع الآخرين – مستسهلاً أفكاراً كان المجتمع يقف منها بصرامة عالية، محذّراً من الانسياق وراءها إذ قد تؤدي إلى ما يحمد عقباه.

فالكثير من ألعاب الفيديو تقوم على المنافسة الشديدة بين الفرد (اللاعب) وآخرين، ولكي ينجح في الوصول إلى مراده عليه القتل والقتل والقتل، بشتى الطرق والأسلحة، حتى يفوز، فهذه المشاهد، بل والاشتراك في المسألة وإن كان على نحو افتراضي، من شأنه أن يقلل الحساسية تجاه ما يمكن حدوثه في الواقع.

الأمر نفسه ينطبق على الأطفال، فقد ولّى ذاك الزمان الذي يذهب فيه الأطفال إلى الفراش عند ساعة محددة، لتبدأ برامج الكبار فيروا أفلاماً رومانسية أحياناً، وأفلام عنف وحركة وجريمة ورعب في أحيان أخرى، إذ رأيت محطة أفلام عربية تعرض مشاهد بشعة لفيلم رعب قبل الساعة السابعة مساء، فأمام ما تنتظره القنوات من مكاسب، تصبح المسؤولية الاجتماعية بعيدة جداً، ومع تكرار هذه الخروقات التي كان المجتمع يمتاز غيظاً تجاهها، تصبح الغلبة لمن يفيض أكثر بما يريد. وإذا كان النداء في الماضي من أجل فرض الرقابة على ما يمكن أن يكون خارجاً عن اتفاق أو تقارب وجهات النظر له، فإن الكثير من أطراف المجتمع مصابة بالخَوَر والوهن فإذا انطلقت من الحظيرة الكثير من الخيول، ليس سهلا أمر إعادتها مكانها مجدداً، ورقابة الأهل لا تعدو أحلاماً مبالغا فيها.

من دون دراسات علمية ميدانية، يمكن أن نشير إلى الكثير من الحوادث التي قادتها الغفلة، و”طبّعتها” وطوّعتها للفاعل، وربما الضحية أيضاً كونه شريكاً، لو لم يكن ضحية لكان ربما على الطرف الآخر من الضفة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية