العدد 2886
الخميس 08 سبتمبر 2016
banner
أنا عدوّي... أو: نهم التآكل
الخميس 08 سبتمبر 2016

قبل سنوات التقيت أحد الزملاء في مؤتمر، وكالعادة تجاذبنا أطراف الحديث في مهنتنا فقال لي: “وأنا أعمل في صحيفة محلية، دخلت عليّ طالبتا إعلام بقصد قضاء فترة التدريب العملي في الصحيفة. فأخذت أعدّ لهما برنامجا عمليا، يبدأ من التمارين الأولية في قراءة الصحف المحلية، والتعرف على طرق الكتابة، ثم نقد الأخبار، ومحاولة كتابتها ثانية بشكل أفضل، وتطبيق ما تعلمتاه في الدرس الأكاديمي. ولكنني كنت ألاحظ عدم الحماس في عينيهما، وتأففا مبطنا من الجدية التي كنت عليها، حتى قلت لهما إن كانتا تريدان الحصول على عمل فلابد لهما من التدريب الحقيقي، فقالت إحداهما: “سلّم الله الأهل...”، فلقد تم تدبير وظيفة لها بمجرد التخرج يتقاتل عليها الكثيرون، بل ويتسابقون إلى ما هو أقل منها كثيراً، فقط لإيجاد عمل وراتب ثابت”.
حينها أجريت عمليات تركيبية في دماغي عن نماذج المجتمعات حيث تكون الإنتاجية أقل، والاتكالية أعلى، والدافعية أقل، والانهيارات أسرع وأكثر تدميراً، حيث تنقسم المجتمعات إلى ثلاثة أقسام رئيسية ربما. قسم يعرف، أو يظن، أنه سيحصل على كل ما يريد ولو لم يسع بالجهد المعقول للوصول والحصول عليها، والأسباب تختلف من مكان إلى آخر، ولكن النتيجة واحدة. وقسم يعتقد أنه لن يصل ولن يحصل على ما يريد، ولو سعى سعيه، وبذل جهده، والأسباب أيضاً تختلف من مكان إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، وقسم ثالث هو ما بين الواثق والقانط، لينطبق عليه “لو خُليت.. خُربت”. لذا فالقسم الأول لن يعمل إذ لا حاجة للعمل، والقسم الثاني لن يعمل إذ لا فائدة من العمل، ويبقى الاتكاء على القسم الثالث، والذي ليس شرطاً أن يكون مساوياً في المقدار لأي من القسمين السابقين، ولكنه في النهاية لن يصل إلى نصف طاقة المجتمع.
هذه الثقافات من شأنها، إن سادت، أن تعمل عمل الكوليسترول في الشرايين، إذ تضيق المساحات بما رحبت، حيث الإبقاء على حق التملك من جهة، وسعي الانتزاع من جهة أخرى، ومن يتملك سيعضّ على مكتسباته بنواجذه ليكون “مكتسب عضوض”، ومن يريد انتزاع حقه فلن يمكنه ذلك إلا بانتزاع ما جاور الحق، فيكون الصراع هنا من المرارة. في المؤسسات، هناك إدارة لا تدع مجالاً للظواهر الصغيرة أن تتوحش وتصبح أمراً واقعاً.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .