+A
A-

جمعية المنتدى: مستويات الدَّين العام في البحرين قفزت إلى أكثر من 60 %

نادر الغانم من الحورة
أقامت جمعية المنتدى حلقة نقاشية في محلات أشرف بالحورة حول “الدَّين العام وجدوى رفع الدعم الحكومي للمحروقات والكهرباء وخلق وظائف جديدة” تقدمها عضو مجلس الشورى رضا فرج، وتحدث فيها كل من رئيس مجلس إدارة “صالح حسين للاستشارات” صالح حسين، ورئيس مجلس إدارة جافكون أكبر جعفري، ورئيس جمعية البحرين الاقتصادية جعفر الصايغ، وعميد كلية الاقتصاد في جامعة البحرين ناظم الصالح.
وفي البدء، ألقى فرج الضوء على بعض الأمور المتعلقة بالاقتصاد، خصوصا ما ذكر ونوقش وتم تدارسه من جانب عدد كبير من المختصين في المجال الاقتصادي خلال مناقشة ميزانية الدولة، وبعد اعتمادها للعامين 2015 – 2016.
وقال سنتحاور في محاور عدة، منها ميزانية الدولة – الدَّين العام؛ كونه أهم الأمور الاقتصادية والملحة، حيث تجاوز 8 مليارات دينار. ومن المتوقع أن يبقى على هذا المستوى أو يزيد قليلا إلى 9 مليارات، علما بأنه قد تم رفع سقف الدَّين العام إلى 10 مليارات في العام الماضي.
وقال مما لاشك فيه أن الدَّين العام جاء نتيجة العجز في الميزانية بين المصروفات والإيرادات، ومن المتوقع حسب الميزانية التقديرية والمقدمة والمعتمدة للسنيتن 2015 – 2016 أنها ستكون في حدود 3 مليارات دينار.

تراجع النفط
وكان أول المتحدثين عن الدَّين العام رئيس قسم الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال في جامعة البحرين ناظم الصالح، قائلا “إن التراجعات الكبيرة في أسعار النفط أصابت دول الخليج بصدمة عنيفة، مبينا لم يكن في الحسبان أن تتراجع الأسعار إلى هذه المستويات بعد أن بلغت مستويات كبيرة بلغت 140 دولارا للبرميل في العام 2018. وترتب على هذه الانخفاضات الحادة نتائج سلبية مقلقة على واقع اقتصادات دول المجلس وعلى مملكة البحرين.

الدَّين السيادي
وأضاف: كما نعلم أن الدَّين العام يطلق عليه الدين الحكومي، أو السيادي، وهو ما يترتب في ذمة الدولة من التزامات مالية اتجاه الأطراف الأخرى سواء كانت داخلية، أو خارجية، وسواء كانت بالعملة المحلية أو بالعملة الأجنبية.
بالنسبة لمستويات الدَّين العام هناك سقف وضع لدول مجلس التعاون الخليجي حسب اتفاقات الاتحاد النقدي الخليجي، وتابع: أن أي دولة عضوا في هذا الاتحاد يجب ألا يتجاوز دينها العام 60 % من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدولة، ونتمنى أن يرى الاتحاد النقدي الخليجي النور في المستقبل القريب، ولكن هذه الأزمة غير المتوقعة أدت إلى أن تقفز نسبة الدَّين العام في الناتج المحلي الإجمالي إلى 60 %، والاحتمالات قائمة أن تزداد وتصل مستويات عالية إذا ما استمر موضوع الاقتراض على هذا المنوال.
وأردف: فيما يتعلق بنسبة 60 %، فهي تشير إلى ضخامة هذا الدين، وأن الناتج المحلي الإجمالي هو مقدار ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات خلال الدورة السنوية مقومة بالعملة المحلية أو الأجنبية. ولهذا فإن بلوغ الدين العام نسبة 60 % يعني أن 60 % من إنتاج هذه الدولة ليس ملكها، وهنا الخطورة.
وأفاد: أن مستويات نسبة 60 % في الحقيقة غير متساوية، إذ إن هناك العديد من الدول التي تتجاوز فيها نسبة الدَّين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي نسبة 60 %، الولايات المتحدة الأميركية مثالا، إذ تبلغ النسبة 100 %، ودول أخرى مثل منطقة اليورو مثل فرنسا، وإيطاليا، حيث تبلغ النسبة نحو 75 إلى 90 %، واليابان 200 %، ولهذا فإن المهم في الأمر هو قدرة الدولة على السداد، وهناك كما رأينا العديد من الدول التي يبلغ الدَّين العام لديها نسبة عالية، ولكن لديها القدرة في السداد، وبالتالي وكالات التصنيف عندما تصنف بلدا معينا وتعطيها تصنيفا محددا ليس بناء على نسبة 60 % أو غيرها، ولكن بناء على قياس مدى قدرة هذه البلدان في تسديد ديونها.

أسباب الاقتراض
وأبلغ قائلا: لا توجد بلد ليس لديها دَين عام حتى البلدان الغنية، ولكن النسب تتراوح وتختلف، وهنا يطرح السؤال عن الأسباب التي تدعو البلدان للاقتراض، إذ إن البعض يعتقد أن البلدان تقترض لتسديد العجز في ميزانياتها، وهو غير صحيح؛ لأن ذلك هو أحد العوامل وليس كلها.
وأوضح شارحًا: هناك كثير من الأسباب التي تدعو البلدان إلى الاقتراض للاستثمار في مشروعات تعتقد الدولة أن عوائدها يفوق تكلفتها، وأن الدولة تلجأ إلى الاقتراض عن طريق إصدار السندات، أو أذونات الخزانة، أو إصدار أي أدوات تمويل أخرى بغرض إدارة السيولة في المجتمع. مردفا، كما أن الدولة تلجأ إلى إصدار أوراق مالية؛ بهدف أن تشكل هذه الأوراق مرجعية للمؤسسات المالية الأخرى والشركات التي ترغب في إصدار أوارقها المالية الخاصة؛ لأن الفوائد المترتبة على الأوراق الحكومية هي خالية من المخاطر، وأن عدم الوفاء بالتزاماتها شبه منعدم. إضافة إلى ذلك أن الدولة تصدر أوراقا مالية؛ بهدف تنويع المحفظة الاستثمارية للمؤسسات المالية والبنوك، وأيضا أن الدولة تقترض؛ بهدف سد العجز في ميزانيتها، وهو تجاوز النفقات حجم الإيرادات.

أكثر من 60 % الدَّين العام بالبحرين
وقال: أما فيما يتعلق بالبحرين، فبلغ الدَّين العام أكثر من 8 مليارات دينار، ويشكل أكثر من 60 %، وأن المعدل السنوي المركب لنمو الدَّين العام من 2008 إلى 2014 بلغ 37 %، والمتوسط الحسابي كان 41 %. أما نسبة نمو الدَّين العام الذي بدا فعليا في 2009 كان بمبلغ وصل إلى نحو 446 مليون دينار، ونسبة النمو الكلية في هذا الشأن منذ العام 2008 وحتى 2014 بلغت 87 %.
واستكمل بالقول: أما مجموع الفوائد التي دفعتها حكومة البحرين إلى الدائنين خلال هذه الفترة من 2009 إلى 2015، فبلغت مليار و119 مليون دينار. ونسبة الفوائد المركبة التي دفعت خلال هذه الفترة بلغت 34.5 %، مستدركا: وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإنه سيمثل كارثة للاقتصاد الوطني. أما العجوزات التي حصلت في الميزانية، فتعود إلى تجاوز النفقات للإيرادات النفطية التي تمثل 80 % من الايرادات، حيث بلغ النمو السنوي فيها في الفترة من 2008 إلى 2014، 2.4 %، في حين بلغ النمو السنوي في النفقات في هذه الفترة نفسها نحو 10 %.
ومضى قائلا: أما نسبة العجز في الميزانية مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي من 2009 إلى 2016، فبلغت 12.1 %، وهي إحصاءات تشير إلى خطورة الوضع الذي نحن فيه.
وأبان قائلا: إن مخاطر تفاقم الدَّين العام تتركز في خفض تصنيف قروض الدولة من وكالات ومؤسسات التصنيف العالمية، وإن تفاقم الدَّين العام يعني المزيد من الاقتراض مما يؤدي إلى ارتفاع خدمة الدَّين على أساس أن القاعدة المعروفة أنه كلما زادت المخاطر تم فرض فائدة أكبر والعكس صحيح. ولهذا فإن المؤسسات المالية المختلفة تتأثر من هذا الوضع، ومنها البنوك من جهة القراض والاقتراض مما سيؤثر في الوقت نفسه على المشروعات الاقتصادية وعلى كثير من مشروعات التنمية. والدولة المدينة قد تطلب إعادة جدولة ديونها مما يعني عجزها عن التسديد، وهو أمر تترتب عليه تفاصيل أخرى، والأكثر من ذلك هو لجوء الدولة إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض مما يعني مصيبة كبرى؛ لأن شروط الصندوق صعبة وقاسية، فيودي إلى مشكلات اجتماعية وسياسية.

ثلث الميزانية يذهب للهدر
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لاستشارات جافكون لتحسين الإنتاجية إن إنتاجية البحرين نسبتها 40 %، ما يعني حسن استغلال المصادر، ونحن نعتبر أفضل دولة عربية في هذا الجانب. ولهذا لابد أن نقارن البحرين ببلدان مثل سنغافورة وماليزيا، إذ إن الإنتاجية لدينا هي على المحك نتيجة شح المصادر، والإهدار فيها في الوقت نفسه، وثلث الميزانية يذهب للإهدار.
وتساءل: كيف يمكن أن نقلص هذا الإهدار، مع التركيز على تنمية الموارد البشرية، والذي بموجبه نحقق الإنتاجية. وفي العملية التنموية أن النتائج الإيجابية تظهر عندما تأتي نسبة 64 % من الموارد البشرية، و20 % من البنية التحتية، و16 % من رأس المال.
وبين، نحن في البحرين نسير عكس الاتجاه، إذ إن اهتمامنا ليس على مستوى الحرج الذي نحن فيه، ولذلك لابد من تمكين العنصر البشري مثل بلدان كالسويد التي أصبحت رائدة العالم في التنمية البشرية، والتنمية الاقتصادية على الرغم من أن مصادرها هي الأخشاب.
وأردف: أن كل البلدان الخليجية لم تركز على الجانب ذي الثقل الأكبر، وهو العنصر البشري، وإذا تطرقنا إلى هذا الموضوع نتطرق له من جانب البهرجة الإعلامية، ومن باب العاطفة فقط ولا يوجد مركز لتحسين الإنتاجية في البلدان العربية كافة، في حين أن إفريقيا فيها 11 مركزا متخصصا في هذا الشأن، وفي منطقة الشرق الأوسط، فعن إسرائيل وإيران لديهما مثل هذه المراكز، مضيفا لدينا في البحرين أصول نائمة، نستفيد فقط من 15 % منها، وهي أصول اقتصادية استثمارية يمكن الارتقاء بها في مناطق مختلفة في البحرين.
واستكمل، حتى القطاع السياحي هناك مساحة لنحو 800 مليون دينار فقط عند تفعيل الثروات الطبيعية السياحية المتوفرة، وهي عديدة.
وقال: أعتقد أن هيكلة الاقتصاد والنظام المالي هيكلة غير متكاملة، وظاهرة الضرائب أزلية، لا توجد بلد من دون ضرائب، كما لا توجد مشكلة للاقتراض في حال جلبت هذه الأموال المزيد من الأموال، هناك حديث عن قيمة الضريبة المضافة بين دول مجلس التعاون والمقررة في 2018، وهو أمر في غاية الأهمية. إن شوارعنا ومستشفياتنا وكل خدماتنا مفتوحه للجميع من دون مقابل، وهو أمر يجب إعادة النظر فيه.

رفع الدعم ذو وجهين
من جانبه، تحدث رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية جعفر الصائغ، قائلا “إن رفع الدعم الذي يجري الحديث عنه هو ذو وجهين: وهو أن رفع أسعار السلع والخدمات الإستراتيجية مثل البنزين واللحوم والكهرباء سيؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية على نسبة كبيرة من أفراد المجتمع، والوجه الآخر يتمثل في الجانب الإيجابي والمتمثل في وقف استنزاف المال العام وإيصال الدعم لمستحقيه، وذهب البعض إلى القول بأن سياسة الدعم في الأصل كانت سياسة خاطئة.
وأضاف: هناك سؤال يطرح نفسه، وهو إذا كان الدعم الموجه للسلع والخدمات الإستراتيجية غير ضروري، وهو عبارة عن استنزاف للموارد المحلية، فلماذا وجد أساسا؟ وسؤال آخر لو لم تنخفض أسعار النفط هل سيستمر الدعم؟ وماذا ستفعل الدولة بالمبالغ التي ستوفرها من وقف الدعم؟ وهل ستتجه تلك المبالغ لزيادة مستوى التعليم والخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية وحل مشكلة المواصلات في البلد؟ والجواب أن المبالغ التي سيتم توفيرها ستستخدم لتمويل الدين العام.
وأشار الصائغ “إلى أن ما تهتم فيه أي دولة هو ضمان وفرة السلع خاصة الأساسية وبكميات وفيرة، واستقرار أسعارها بحيث تكون الغالبية قادرة على شرائها، مستوى معيشي يمكن غالبية المجتمع من تلبية حاجاته الأساسية ويلبي طموحاته، والعمل على محاربة أي مؤشر لزيادة التضخم”.

تنمية الإيرادات غير النفطية
وأوضح الصائغ أن تنمية الإيرادات الحكومية غير النفطية يتطلب تحسين مستويات التحصيل للإيرادات غير النفطية، وذلك من خلال دعم خطوات تطوير أنظمة تحصيل الإيرادات المستحقة على الوزارات والجهات الحكومية والشركات ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد كتعميم وسائل الدفع الإلكتروني، والدفع المسبق، وتطبيق الجزاءات الفورية على المتخلفين والمتأخرين عن سداد المبالغ المستحقة عليهم، وتقنين أنواع الرسوم والتعرفات والأجور كافة في إطار سياسات موحدة للتسعير، محتسبة على أساس التكلفة الفعلية. وطبيق مبدأ استرداد تكلفة الخدمات الحكومية وخدمات توفير البنية الأساسية (كخدمات توفير الطرق الفرعية أو الربط بالطرق الرئيسة أو الربط بشبكة الصرف الصحي وتوفير المرافق العامة) للمنازل والمباني السكنية والتجارية والمخططات الاستثمارية، ومراجعة متطلبات التعديلات اللازمة على التشريعات والأنظمة المعمول بها لتطبيق مبدأ استرداد تكلفة توفير خدمات البنية الأساسية.
وذكر بالقول: أما بخصوص مراجعة سياسة الدعم المالي للسلع والخدمات الحكومية، فإن رفع الدعم الحكومي للسلع والخدمات الحكومية عن الأجانب، مع مراعاة التدرج في تطبيق هذه السياسة على مدى أربع سنوات؛ وذلك بهدف تمكين هذه الفئات من استيعاب هذه الزيادة خلال هذه الفترة، مشيرا إلى أن رفع الدعم الحكومي للسلع والخدمات الحكومية عن الشركات والمؤسسات والأنشطة التجارية تدريجيا على مدى ثلاث سنوات، وذلك لإتاحة المجال للقطاع التجاري للتكيف مع الأسعار الحقيقية لتكلفة تقديم السلع والخدمات الحكومية، خاتما، كما أن مراجعة وتعديل الدعم الحكومي للسلع والخدمات الحكومية التي يستفيد منها المقتدرون من المواطنين، وذلك من خلال رفع الدعم كليا أو جزئيا بحسب طبيعة ومستوى الاستهلاك لتلك السلع أو الخدمات الحكومية.