شيء جديد في ثقافة الحكومات العربية أن تعترف الحكومة بوجود أخطاء أو تجاوزات من بعض أفرادها، خاصة في أوقات الفتن واهتزاز الأمن، فلم نر من قبل حكومة عربية تقول ان بعض أعضائها أخطأوا، ولكن التبرير كان دوما هو السمة المتأصلة في كل هذه الحكومات.
الحكومة البحرينية أصدرت بيانا شجاعا اعترفت فيه بوجود تجاوزات من طرف بعض المنتمين إليها، وهذا شيء صحي ويبشر بأن القادم سيكون حتما أفضل من الماضي ويبين أننا بصدد قفزة كبيرة في مجال الإصلاح السياسي، لأن البداية الصحيحة دوما تعتمد على الاعتراف بالخطأ والتقييم الصحيح للذات لأن الذي لا يعرف عيوبه أو لا يعترف بوجودها لن يستطيع أن يصحح شيئا ولن يستطيع أن يطور نفسه.
البيان الذي أصدرته الحكومة البحرينية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن البحرين وتماسكها وبقاءها هو الهدف الأول والأخير وأنه لاشيء فوق المصلحة العليا للبلاد وأن الأفراد زائلون وأن الدولة هي الباقية.
هذه الشجاعة التي اتصف بها بيان الحكومة لا شك نالت احترام قطاع كبير من أبناء البحرين، والعكس كان سيحدث لو أن الحكومة كابرت واعتمدت على منهج التبرير وتفننت في التغطية على الأخطاء والتجاوزات التي وقعت.
شيء جميل أن تعلن الحكومة عن تحويل عشرين من رجال الأمن ممن ارتكبوا تجاوزات إلى القضاء، وشيء جميل أيضا أن تعلن أن هذه الإجراءات ليست نهاية المطاف لأن ذلك يدل بحق على أن البحرين قد صعدت درجة على سلم الإصلاح الحقوقي، ويدل على أن ما تم الاتفاق عليه في الملف الحقوقي خلال الحوار الوطني قد بدأ بالفعل تنفيذه على أرض الواقع وأن البحرين جادة في إحداث التغيير في هذا الملف الهام، لأن هذه الخطوة ستعالج الكثير من الجروح وستزيد من أسهم الحكومة لدى الناس وستأخذ سلاحا آخر من أيدي المحرضين الساعين لهز استقرار البلاد.
ما نتمناه لمملكتنا العزيزة أن تصبح مسألة النقد الذاتي وتقويم الذات ثقافة بحرينية عامة بدلا من ثقافة التناحر والسعي طوال الوقت لإدانة بعضنا البعض.
فهل نتخذ جميعا مما قامت به الحكومة مثالا وقدوة ويكون شعارنا جميعا خلال المرحلة القادمة هو تقييم الذات بشكل علمي بعيدا عن العقد وتصفية الحسابات، و نعترف بأخطائنا ونعمل على إصلاحها حتى نشارك جميعا في إعادة الوئام لهذا البلد، لأن البحرين في حاجة ماسة لهذا خلال المرحلة الحالية.