الممرضة شهزلان 32 عاما من العمل الإنساني ختمتها برعاية مرضى السرطان وسميت «أم قسم الأورام»
إعداد: حسن فضل
شهزلان فضل رائدة من رائدات البحرين، ونموذج يحتذى به للمرأة البحرينية. خرجت من الريف لتلتحق بسلك التمريض، متحديةً الصعوبات والعراقيل ونظرة المجتمع آنذاك لخروج المرأة للعمل. كانت ترى مهنة التمريض حلمها وذاتها ورسالتها، والبحرين كانت حاضرة في كل خطوة من خطواتها. قدمت للتمريض كل ما يمكنها أن تقدم من وقت وجهد واهتمام. مرت على كل الأقسام حتى استقرت في مركز الأورام، وفيه تركت بصماتها وساهمت في تطويره حتى أصبحت رئيسة لقسم التمريض فيه وسميت بأم قسم الأورام . بعد التقاعد استمر عطاؤها ونشاطها، حيث وظفت خبراتها في نشر التوعية ومساعدة مرضى السرطان، فشاركت في محاضرات وندوات، وانخرطت في عمل جمعيات التوعية، كجمعية البحرين لمكافحة السرطان وجمعية سرطان الثدي البحرينية، وجمعية الصحة الطبيعية (سابقًا)، وشاركت في مؤتمرات في الداخل والخارج.
«صحتنا في البلاد» تلتقي بها لتسلط الضوء على مسيرتها في التمريض المليئة بالنجاح والتميز.
التمريض وظيفة لا تنتهي بالتقاعد وهي مسؤولية وواجب حتى آخر أنفاسي
لماذا اخترت دراسة التمريض، ومن الذي شجعك؟
اخترت تخصص التمريض لوحدي، ولم أحصل على أي تشجيع من الأهل لاختياري هذه المهنة. حين كنت صغيرة كنت أشاهد الممرضات بمركز جدحفص الصحي، وأتمنى أن أكون مثلهم، وكذلك أشاهد الممرضات من قسم الرعاية يزرن أحد أطفال العائلة، حيث يقدمن الرعاية الصحية. أعجبت بهذه المهنة وتمنيت لو أكون ممرضة، وأقدم الدعم والرعاية للمرضى.
ما الصعوبات التي واجهتك كونك امرأة من الريف تلتحق بالعمل والتمريض؟
من أكثر الصعوبات التي واجهتني نظرة الأهل، فعندما قررت الالتحاق بدراسة التمريض، في البداية كان هناك معارضة ورفض، خصوصا من الوالدة (الله يرحمها)، فقد كانت فكرتها أن مهنة التمريض لا تناسبني، لأنني سأباشر وأعتني بالرجال؛ ولكن بعد أن شرحت إليها مهنة التمريض اقتنعت والحمد لله.
حدثينا عن بدايات ممارستك مهنة التمريض؟
طبعًا في البداية كانت صعبة؛ لأنها مسؤولية مرضى وسلامتهم. أنا عملت في معظم الأقسام، في البداية بقسم الجراحة، ثم الباطنية، وبعدها الأطفال، والعظام، وأخيرًا قسم العلاج الكيميائي لمرضى السرطان، وفي كل قسم من هذه الأقسام تطورت خبرتي لرعاية المريض تدريجيا، وأصبحت بعد سنة من خدمة المرضى في ثقة ومهارة في تأدية واجبي.
كم استمرت مهنتك في التمريض، وكيف تصفينها؟
استمر عملي في التمريض 32 سنة. أصفها بأنها وظيفة ممتعة، وأنا مخلصة في تأديتها، وفيها نوع من الراحة النفسية بعد كل عمل مبدع، ومؤثر إيجابي للمرضى، والدعاء الدائم وشكر المرضى وذويهم لي يرفع من معنوياتي، ويزيدني إصرارًا على تحمل المسؤولية بكل جهد وإخلاص.
بعض المواقف التي كان لها الأثر في حياتك؟
هناك الكثير من المواقف سواء من المرضى، أو الممرضات، ولها أثر إيجابي عليّ وعليهم، فمثلًا عندما أراعي المريض وأهتم به طول علاجه بمسؤولية صادقة من القلب، وأبذل كل جهدي واهتمامي لرعايته، وعند خروجه من المستشفى بعد شفائه يشكرني، ويرتاح لخدمتي، كنت أرتاح نفسيًا.
وأما بالنسبة للممرضات، فإذا كانت لدى إحداهن بعض الإخفاقات في تأدية واجبها، أجلس معها، وأعرف المشكلة، وأساعدها، وأشجعها، وأحفزها على الإنتاج في العمل المثمر، وعندما تتحسن تشكرني وتكون راحة لي ولها.
أشرفت على تأسيس العلاج الكيميائي
ارتياح المريض أكبر إنجاز
أبرز التحديات خلال مسيرتك المهنية وكيف واجهتها؟
هناك تحديات كثيرة واجهتني في العمل، فبصفتي امرأة متزوجة، ولي أبناء صغار وكنت أعمل في الفترة المسائية، كان الوضع متعبًا جدًا.
وهنا لابد من أن أذكر مساندة زوجي وعائلته لأطفالي، وأنا في العمل، فقد كانوا السند الأكبر لي، فتمكنت من تحدي تعب وإرهاق عمل الليل، وأعود لرعاية أولادي الصغار، وأربيهم وأدرسهم حتى يتفوقوا في الدراسة.
ما أبرز إنجازاتك في قطاع التمريض؟
أهم الإنجازات في التمريض أنني كنت مشرفة على تأسيس العلاج الكيميائي، وكذلك كان لي دور في افتتاح مركز الأورام في مجمع السلمانية الطبي، وكذلك طلب وتحديث الأجهزة في القسم، وتدريب الممرضات على كيفية رعاية مرضى السرطان، وإعطاء المريض العلاج الكيميائي، وتطوير معلومات الممرضات المستمر بواسطة إقامة ورش العمل، والمحاضرات والندوات التعليمية والتدريب. وكنت من المشاركات في لجنة تجهيز مركز مرضى أمراض الدم الوراثية في مجمع السلمانية الطبي، وكذلك كنت عضوا في لجنة تجهيز مركز الأورام في مستشفى الملك حمد.
ما أبرز الأمور التي حرصت على تحقيقها في المجال الصحي؟
من أبرز الأمور التطور في الجانب التعليمي. فحرصت على مواصلة الدراسة المستمرة، فبعد دبلوم التمريض نلت دبلوم إدارة في الجامعة الإيرلندية، وبكالوريوس التمريض، ودبلوم تخصص في الأورام من بريطانيا ودراسة تخصص ماجستير في التمريض، ورسالة البحث عن سرطان الثدي للبحرينيات والتأثيرات الاجتماعية والنفسية عليهن. وكذلك حرصت على أن تبادر باقي الممرضات في مواصلة دراستهن، حتى الماجستير. ويشرفنا أننا تمكنا من تقديم أرقى الخدمات التمريضية للمرضى وذويهم لننال رضاهم مع حفظ أسرار المرضى.
مواقف لا تنسى في مسيرتك في مهنة التمريض؟
المواقف التي لا تنسى بعد كل إنجاز لمريضٍ ما ونجاح المهمة، تتمثل في شكره وسعادته وارتياحه بخدماتنا وكونه دائمًا على اتصال معنا بعد شفائه لاسيما مرضى السرطان. والأمر الآخر هو التعاون بيني وبين مجموعتي في قسم الأورام الدائم المبني على قوة العلاقة بين الرئيس المرؤوس، والدعم اللامحدود من إدارة التمريض، ووزارة الصحة، والأهل.
استمررت في تقديم الدعم النفسي لمرضى العلاج الكيميائي حتى بعد التقاعد
حدثينا عن نشاطك في المجتمع بعد التقاعد؟
نشاطي في المجتمع بعد التقاعد هو أنني مازلت أقدم الدعم النفسي والمعلوماتي للمرضى وذويهم عن العلاج الكيميائي، وتأثيره الجانبي وكيفية التعامل معه إيجابيًا، والمساندة النفسية لهم ولعائلاتهم. وكذلك سافرت مع مريض سرطان إلى تركيا مع أهله للعلاج.
كما اشتركت في الأنشطة الاجتماعية عن طريق الجمعيات التوعوية، كجمعية البحرين لمكافحة السرطان، وجمعية البحرين لسرطان الثدي، وذلك بمشاركتي في المؤتمرات، وإلقاء المحاضرات عن السرطان. وكنت عضوا في حملة «كلنا معك» لمساندة مرضى السرطان، وعضوا في جمعية الصحة الطبيعية (سابقًا)، وأنجزت الكثير من الأعمال الترفيهية والتعليمية لمرضى السرطان وذويهم من قبل التقاعد وحتى بعده، كالاحتفال بالقرقاعون والمحاضرات، وشاركنا في فعالية (خلك وحش) لسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة حفظه الله. وكنت في معظم الأوقات من المنظمين لحفلات العيد الوطني، والاحتفالات باليوم العالمي للتمريض.
كنت رئيسة قسم الأورام في مستشفى السلمانية، حدثينا عن مراحل التطور في هذا القسم؟
مراحل التمريض في قسم الأورام تطورت من صيدلية لتحضير الأدوية، فقد كنت أحضر العلاج الكيميائي لوحدي، ومن ثم تطورت إلى عيادة لها غرفتان، في كل غرفة سريران، وحجرة لتحضير الأدوية، ومكتب، ثم تطورت إلى مبنى، أو مركز قسم أمراض الدم والأورام للعلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني وعيادات خارجية، وبعدها تدريجيًا فتحت بعض الأجنحة للمرضى ودربت بعض الممرضات لرعاية مرضى السرطان.
هل كان لك دور ونشاط وإسهامات في جائحة كورونا؟
قمت بالتسجيل كمتطوعة في بوابة البحرين الإلكترونية ولم تتم مناداتي؛ ولكن كان لي دور في الجائحة، ومن منزلي كنت أساند مرضى الكورونا وذويهم، وأنصحهم، وأعلمهم الطرق الصحيحة لغسل اليدين، وأخذ الاحتياطات اللازمة، وأتابع بعض من الحالات في الحجر، وأطمئن أهاليهم، وأساندهم نفسيًا. وكذلك أساعد مرضى الكورونا من الأهل والمعارف أو أي أحد يطلب مني المساعدة، فالتمريض وظيفة لا تنتهي بالتقاعد، وهي مسؤولية وواجب يستمر حتى آخر أنفاسي، وحب وشغف المساعدة الطبية يبقى ملازمًا لي، وفي هذه الجائحة آثرت إلا أن أترك بصماتي وأوظف خبراتي من مكاني، وأساهم مع فريق البحرين لمكافحة الكورونا بما يمكنني أن أقدمه.
كلمة أخيرة توجهينها للطاقم الطبي والتمريضي في المراكز الصحية والمستشفيات بالمملكة؟
كلمة أود توجيهها لجميع الطواقم الطبية والتمريضية سواء في مجمع السلمانية الطبي، أو المراكز الصحية. في هذه المهنة مهم جدًا الإخلاص بالعمل بكل مسؤولية واحترام المرضى وذويهم وحفظ أسرارهم ورضاهم، ومهم جدًا مواصلة الدراسة، وطلب العلم إلى ما لا نهاية، لأن علم التمريض والطب يتطلب البحث العلمي المستمر.
وأود شكر كل من كان له دور في تحقيق أمنيتي من الأهل وزوجي العزيز والمدرسين والمدرسات ووزارة الصحة ووزرائها ووكلائها السابقين والحاليين في وزارة الصحة، وإدارة التمريض وجميع الزملاء والزميلات بالعمل.