+A
A-

الظل

بقلم:  صفية السيد هادي بدر

 

«يجب أن أجد طريقةً لإبعاده!» همست هيزل بصوت خفيفٍ لم تسمعه أختها وهي تتناول عشاءها.

«هل قلت شيئا؟» قالت هايلي.

«أقول إن الحساء لذيذ جدًا، إنّه يذكرني بالحساء الذي كان يعدّه أبي». «حقًا؟ لكنك لم تلمسي وعاءك حتى الآن».

«لا أشعر بالرغبة في الأكل فقد استيقظت للتو، لكنّ رائحته تأخذني إلى ذلك الزمان. سأضعه في الثلاجة وأتناوله عندما أجوع».

 

استلقت على فراشها في غرفتها الموحشة، تتأمل السقف دون أن تمر أي فكرة في عقلها، إلى أن رنّ هاتفها، كانت صديقتها جينا تتصل، لم يكن لدى هيزل الطاقة الكافية للإجابة على الاتصال، وضعت هاتفها على الصامت، استمرت في التحديق في السقف، تنظر إلى ذلك الظل المعتم الذي أصبح كأنه جزء منها، تحاول إيجاد طريقة للتخلص منه. «إنه يراقبني طوال الوقت، حتى وإن كنت لا أراه، لكنّي أشعر به، أراه كظلّي الذي يلازمني دائمًا».

 

رنّ الهاتف مرة أخرى، «لن أستطيع الهروب من هذه المكالمة». ردت بصوت متثاقل «أهلًا جينا، كيف حالك؟».

«بخير، وأنت؟».

«أنا بخير، ماذا حدث؟».

«اتصلت لأخبرك أن بنات الفصل وأنا قررنا الذهاب في رحلة تخييم، فما رأيك؟».

 

اعتذرت هيزل عن الذهاب معهن في هذه الرحلة بحجة أن لديها أشياء أخرى تهتم بها، إلا أن جينا لم تقبل ذلك العذر وقالت «دائما ما تتذرعين بالأعذار كي لا تأتين معنا، لكنني لن أسمح لك هذه المرّة، سأكون عند منزلك غدًا في الساعة التاسعة صباحًا، جهزي حقيبتك، ولا تحاولي أن تتهربي منّي، فلن أتركك بسهولة»، وأنهت جينا المكالمة.

 

تنهدت هيزل تنهيدة طويلة، ثم قامت لتجهز حقيبتها.

في الصباح التالي، استيقظت هيزل الساعة السادسة صباحًا، ليس بسبب حماسها لرحلة التخييم، بل ذلك الكابوس الذي يراودها منذ فترة طويلة. ذلك الظل الأسود المخيف الذي يحاول خنقها في كل مرة، تصحو بعده متعبة وكأنها لم تنم.

عند التاسعة، حضرت جينا لاصطحاب هيزل، خرجت من المنزل بتثاقل وركبت السيارة. لم تتكلم طوال وقت الرحلة، فقد وضعت سماعاتها وظلت تراقب الطريق.

وصل الجميع إلى مكان التخييم ونصبن خيامهن، في المساء أشعلن النار وجلسن حولها، يتسامرن، والبعض يشوينَ الحلوى الخطمية. إلا هيزل، جلست بعيدًا عن الجميع، تنظر إلى ذلك الظل، ترغب في مشاركتهن لكنها تخشى أنّه قد يرمي بحزنه عليهن. تحدثت إليه بصمت «إلى متى ستظل ترافقني؟ لماذا لا أكون فتاة طبيعية؟ هل قُدّر علي الحزن للأبد؟».

 

جاءت جينا إلى هيزل ودون أن تنبس بأيّ كلمة احتضنتها، ودام ذلك الحضن طويلًا، قالت جينا «أستطيع أن أرى ذلك الحزن في عينيك، ليتني أستطيع مساعدتك».

بدأت هيزل بالبكاء، وأخبرت جينا عن ذلك الظل الذي يلازمها.

وعدت جينا هيزل بأن تبقى معها حتى تتخلص من ذلك الظل، ونصحتها بالذهاب لطبيب نفسي ليساعدها على حل مشكلتها.

اليوم، وبعد مرور ستة أشهر، تخرج هيزل وجينا من ذلك المشفى لترى الحياة بمنظور آخر. تلاشى ذلك الظل عندما أخرجت حزنها الدفين وبكت على كتف صديقتها.

 

لم يكن ذلك الظل سوى حزن عميق نتيجة للصدمة التي تعرضت لها عند سماع خبر وفاة والدها المفاجئ، لم تبكِ ولم تبُح بمشاعرها إلى أي أحد، فقد كتمت تلك المشاعر إلى أن تراكمت وأصبحت كأنها سحابة سوداء تظلل حياتها.